صاحب الغبطة يوسف

المصالحة هي خشبة خلاص سوريا الوحيدة

٣٠ ٨ ٢٠١٢



غريغوريوس الثالث: "المصالحة هي خشبة خلاص سوريا الوحيدة وأنا مستعد أن أقدّم حياتي ضحيّة لأجل خدمة المصالحة".

في نداء إلى قداسة البابا والكرادلة والمجالس الأسقفية، إلى الملوك والأمراء ورؤساء الدول، وإلى كلّ الأشخاص أصحاب النوايا الحسنة، دعا صاحب الغبطة غريغوريوس الثالث بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأرشليم إلى المصالحة في سوريا مظهرًا كيف أنّ "المصالحة هي خشبة خلاص سوريا الوحيدة" ومعلنًا أنّه مستعد، من أجل هذه المصالحة، "أن يقدّم حياته ضحيّة".


النص الكامل

 

بروتوكول 414/2012ع                                                   

عين تراز في 30/8/2012

 

إلى أبناءنا وبناتنا في سوريا وإلى أبناء وبنات الكنيسة في العالم أجمع
وإلى كلّ أصحاب النوايا الحسنة
 
المصالحة هي خشبة خلاص سوريا الوحيدة

 

 
"تعالوا إلى كلمة سواء" (آل عمران 64)
"طوبى لفاعلي السلام" (متى 5، 9)
 

مقدمة

تبكي عيوننا وقلوبنا اليوم بسبب تغلّب لغة السلاح على أيّة لغة أخرى. السلاح يتدفّق من كلّ جهة وإلى كلّ الساحات، وإلى كلّ الأيدي، وإلى البيوت والأفراد... والضحايا البشرية، مهما يكن انتماؤها، تتساقط وتترك وراءها ويلاتٍ ومآسي اجتماعية وأُسرية ووطنية. رحم الله الضحايا وضمَّد الجراح وشفى المرضى وعزّى الحزانى. وبالمقابل، تكثر العقبات أمام إيجاد المساعدات الإنسانية، وأمام إمكانية إيصالها إلى المحتاجين والمتضرّرين وأمام الحلول لإنهاء الأزمة.

أيّة ديناميّة نتبع من أجل الخروج من هذه الأزمة؟ نريد بهذه الرسالة أن ندعو من جديد إلى الحوار... لكي نتعالى على الجراح والآلام والدماء... ونبقى نؤمن بالحوار والمصالحة واللقاء والتلاقي... هذا هو الطريق الأصعب ولكنّه الطريق الأكثر صوابًا وهو الذي يؤمّن المستقبل وهو حتمي لأن لا فريق يستطيع أن يلغي الآخر بأيّ وسيلة كانت. العنف يزيد العنف. والحوار يزيد الحوار قوّة وثمارًا. والمصالحة تهيّئ الأجواء للمزيد من الحوار والمصالحة.

 
كنيسة سوريا والمصالحة

تصالحوا مع الله! تصالحوا فيما بينكم! هذه هي خدمة المصالحة (2 كور 5،18)
الكنيسة في سوريا مدعوّة إلى خدمة المصالحة بكلّ الوسائل المتاحة. المصالحة هي من صميم تعاليم السيد المسيح في الإنجيل المقدّس. وإنّنا نعتبر أن دور كنيسة سوريا اليوم هو هذه الخدمة المقدّسة أي العمل لأجل المصالحة؛ طوبى لفاعلي السلام. ونعتبر أن خدمة المصالحة هذه هي التي ستكون الضمان للمسيحيين أمام المستقبل المظلم الذي يبدو في أفق سوريا. هكذا يقوم المسيحيون اليوم بأكبر رسالة تجاه بلدهم كما كان دأبهم في التاريخ حيث طوّروا بلدهم في كلّ المجالات. واليوم رسالتهم أن يقفوا بين ومع جميع الفرقاء، وفي كلّ مكان، وعلى كلّ جبهة في كلّ بلد... داعين الجميع إلى المصالحة الوطنية والأهلية والإيمانية والاجتماعية... دور الكنيسة أن تكون الداعية إلى المصالحة والعاملة لأجلها على كلّ الأصعدة. نحن نعتبر أنّنا كمسيحيين مشرقيين عربًا حاضرين وعاملين في تاريخ بلادنا في كلّ مراحلها وأزماتها، في تقدّمها وازدهارها، في سلمها وحربها، نحن كنا ولانزال ضمانة التعدُّديّة والداعين إليها والعاملين لأجلها. والآن نجد دورنا في هذا الخط التاريخي عينه.

 
نداء إلى كنائس العالم

مع القديس بولس نقول: " المسيح هو سلامنا، وقد جعل الاثنين واحدًا وهدم حائط العداوة القائم بين البشر..." (أفسس 2،14). من هنا هذا النداء الذي نوجِّهه إلى الكنائس في العالم أجمع، إخوتنا الكاثوليك والأرثوذكس، والبروتستانت. وندعو المسؤولين الروحيّين أن يضمّوا صوتهم إلى صوت كنيسة سوريا ويدعوا بكلّ الوسائل إلى المصالحة في سوريا. وذلك أمام وتجاه حكامهم في بلادهم والمؤسّسات المختلفة في بلادهم، ومؤمنيهم ورهبانهم وراهباتهم وكهنتهم... لا بد من حملة عالمية لأجل تحقيق المصالحة في سوريا فهي خشبة الخلاص في هذه الأيام العصيبة وفي هذه الفوضى. ياليت العالم يدعو إلى الحوار والمصالحة بصوت واحد وكلّ يوم... وإذ ذاك يتغيّر الموقف.

 
نداء إلى المسيحيين السوريين

في خضم نهر الدماء الذي يجري في كلّ مناطق سوريا يومًا بعد يوم نقول لأبنائنا وأولادنا الأحبّاء: اصبروا! إذا نزحتم إلى داخل سوريا أو إلى بلد مجاور فتبقون قريبين إلى بيوتكم وأرزاقكم وفي أوطانكم. وشكرًا لمن يستقبل النازحين. ولكن إذا ذهبتم إلى خارج المنطقة فعودتكم أصعب وأوضاعكم لن تكون سهلة رغم التسهيلات من الدول التي تستقبلكم ولكن هذا الأمر لن يدوم. ولهذا نقول لكم لا تهاجروا! ونحن سنبقى نبذل أقصى جهودنا لمساعدة المحتاجين والنازحين بكلّ قوانا.

 
نداء إلى السوريين

أملي كبير أننا نحن السوريين الواقعين كلّنا تحت وطأة هذا الوضع المأساوي الدموي، والذي يدوم منذ أكثر من سنة ونصف، سنجد ويجب أن نجدَ كلّنا معًا سبيلاً آخرًا غير سبيل العنف والسلاح والقتل والدمار، لأنه سبيل لا ينتصر فيه أحد بل الجميع خاسرون، والدمار ينتشر والإنسان يُقتل والمآسي تتزايد وتطال جميع المواطنين!

ولهذا ندائي مع الآية الكريمة "تعالوا إلى كلمة سواء" ومع آية الإنجيل: "طوبى لفاعلي السلام"؛ هذا هو الشعار الذي نرفعه في هذه الرسالة.

 
نداء إلى العالم

لنا الأمل الوطيد أن رسالتنا سيكون لها الصدى لدى الملوك والأمراء والرؤساء العرب من جهة ولدى رؤساء دول العالم خاصّة في أميريكا الشمالية والجنوبية، في أوروبا الشرقية والغربية، في آسيا، في أفريقيا، وفي أستراليا. كذلك لدى الكنائس والجماعات المسيحية شرقًا وغربًا ولدى المؤسسات غير الحكومية ورجالات الفكر والحائزين على جائزة نوبل للسلام.

آلية المصالحة موجودة على أرض الواقع. هناك فِرقٌ من رؤساء العشائر وشخصيّات مؤثّرة تعمل على الأرض وقد لاقوا نجاحًا كبيرًا في حلّ الكثير من المشاكل في أكثر من مكان كما أنّهم ساعدوا على تفادي تعديات كبيرة وأعادوا السلام بين الفرق المتناحرة. نطلب من أصدقائنا دعم هذه المسيرة الأهلية ومسيرة الكنيسة السورية التي تكرّس نفسها لخدمة المصالحة.

 
الختام

أنا مستعد أن أقدّم حياتي ضحيّة لأجل خدمة المصالحة وأقوم بجولات لنجاح ندائنا إلى المصالحة والحوار. إننا نحمل هذه الرسالة "رسالة السلام والمصالحة" إلى محراب كنائسنا وإلى أديارنا، لكي نكون كلّنا أيادي ضارعة لأجل الأمن والأمان والاستقرار والحوار والمصالحة والتضامن وتضافر القوى، كلّ القوى، لأجل مستقبل أفضل لسوريا بكلّ ولكلّ أبنائها، وطوائفها وأحزابها وتطلعاتها.

ونتمنى أن نحقّق كلنا ومعًا الطوبى الإنجيلية "طوبى لفاعلي السلام فإنهم بني الله يدعون".

 
مع محبتي ودعائي وبركتي
 

 

غريغوريوس الثالث
بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق
والإسكندرية وأرشليم