السينودس المقدس للكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك ٢٠١٤

افتتاح سينودس الأساقفة 2015

١٩ ٦ ٢٠١٥
 
بروتوكول 346/2015د                                                    دمشق في 11/6/2015
 
كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثَّالث
في افتتاح سينودس أساقفة كنيسة الرُّوم الملكيِّين الكاثوليك
عين تراز – لبنان
15 حزيران 2015
 
 
إخوتي الأحبَّاء أصحاب السيادة الموقَّرين، أعضاء سينودس أساقفة الكنيسة البطريركيَّة للرُّوم الملكيين الكاثوليك. إخوتي الآباء الرؤساء العامّين.
"إنَّ نعمة الرُّوح القدس جمعتنا".
لقاؤنا معًا في وحدة الروح القدس هو رمز إلى وحدتنا معًا رعاة كنيسةٍ واحدة. إنَّنا متضامنون مع رعايانا، مع شعبنا ومع أوطاننا المتألِّمة. دورنا وخدمتنا أن نسهر على وديعة الإيمان وعلى حياة الإنسان، نسهر على دينه ودنياه. ونواكب تطلّعات شعوبنا إلى الأمن والأمان والكرامة والمواطنة والعيش الكريم والحريَّة والتآخي والتضامن والمحبَّة والسلام. وهذا هو الهاجس الأكبر لنا في أبرشيَّاتنا، حيث نحمل إلى السينودس هذه الهواجس حول حضورنا ودورنا في أوطاننا مهد المسيحيَّة.
 
اهتمام البابا فرنسيس بالشرق المسيحي
أودُّ في مطلع هذا السينودس المقدَّس أن نتذاكر معًا رسالة قداسة البابا فرنسيس لنا نحن مسيحييِّ المشرق العربي المسيحي، مهد المسيحيَّة (بمناسبة عيد الميلاد المجيد 2014)، وهي تشرح لنا هاجس قداسته الذي يتلاقى مع هواجسنا. ومن المهمّ أن ننشرها بين رعايانا لإيقاظ شعلة الأمل في قلوبهم.
"الآلام والمحن لم تغب قطّ عن ماضي الشرق الأوسط البعيد والقريب. لا بل تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة بسبب النزاعات التي تُعذِّب المنطقة، لاسيما بسبب أعمال المنظمات الإرهابية الناشئة حديثًا والتي تبعث على القلق، حجمها يفوق أي تصوّر، وتمارس شتّى أنواع الانتهاكات وممارسات لا تليق بالإنسان، وتضرب بشكلّ خاصٍّ بعضًا منكم الذين طُردتم بطريقة وحشيّة من أراضيكم حيث يوجد المسيحيّون منذ عصر الرسل."
"أتابع يوميًّا أخبار المعاناة الكبيرة للعديد من الأشخاص في الشرق الأوسط. أفكّر بشكلّ خاصّ بالأطفال والأمهات والمسنّين والمهجّرين واللاجئين، وجميع الذين يعانون من الجوع، ومن عليه أن يواجه قساوة الشتاء بدون سقف يحميه."
"أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يا مَنْ تشهدون ليسوع بشجاعة في أرضكم المباركة من الرب، أشجّعكم لتثبتوا فيها، كالأغصان في الكرمة."
"يشكِّل الوضع الذي تعيشون فيه دعوة قويّة لقداسة الحياة، كما شهد قديسون وشهداء من كلّ انتماء كنسيّ. أتذكّر بمودّة وتقدير الرعاة والمؤمنين الذين دُعوا في الأوقات الأخيرة لبذل حياتهم وغالبًا لمجرد كونهم مسيحيين. أفكّر أيضًا بالأشخاص المخطوفين، من بينهم بعض الأساقفة الأرثوذكس والكهنة من مختلف الطقوس."
"إني مسرورٌ حيال العلاقات الجيّدة والتعاون القائم بين بطاركة الكنائس الشرقية الكاثوليكية وتلك الأرثوذكسية، وبين مؤمني مختلف الكنائس. إنها مسكونية الدم."
"أتمنَّى أن تتمكّنوا دائمًا من الشهادة ليسوع من خلال الصعوبات! إن حضوركم ذاته هو شيء ثمين بالنسبة للشرق الأوسط. إنكم قطيع صغير، لكنكم تتحمَّلون مسؤولية كبيرة في الأرض حيث وُلدت المسيحية وانتشرت. إنكم كالخميرة وسط سواد الناس. وقبل الأعمال الكثيرة التي تقوم بها الكنيسة في المجال المدرسي والصحي والإعاني، والتي تحظى بتقدير الجميع، يشكِّل المسيحيون، أي أنتم، الكنز الأثمن بالنسبة للمنطقة. شكرًا على مثابرتكم!"
"أيُّها الأعزاء، جميعكم تقريبًا مواطنون أصليون في بلادكم وتتمتعون بالتالي بالواجب وبالحق في المشاركة التامة بحياة أُمَّتكم ونموها. أنتم مدعوون في المنطقة لأن تكونوا صانعي السلام والمصالحة والنمو، لتعزّزوا الحوار وتبنوا الجسور تماشيًا مع روح التطويبات (مت 5، 3-12) وتعلنوا إنجيل السلام وتكونوا منفتحين على التعاون مع كل السلطات الوطنية والدولية."
 "أيها الأخوات والإخوة الأعزاء مسيحيو الشرق الأوسط، لديكم مسؤولية كبيرة، ولن تكونوا وحدكم في مواجهتها! ولهذا أردتُ أن أكتب إليكم لأشجعكم ولأعبّر لكم عن مدى قيمة حضوركم ورسالتكم في هذه الأرض التي باركها الرب."(إلى هنا رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة عيد الميلاد المجيد 2014).
 
كنيسة مع ولأجل
هذا الكلام هو برنامج عمل لنا، لكي نبني أوطاننا، متَّحدين كطوائف مسيحيَّة، ومتَّحدين كمواطنين من مختلف الطوائف مسيحيين ومسلمين.
وبكلام قداسته عينه نخاطب من هذا السينودس ومن خلال وسائل الإعلام مشكورة، ومن لبناننا الحبيب، نحاطب مؤمني رعايانا من كلّ أبرشيَّاتنا في البلاد العربيَّة وبلاد الانتشار، وخلاصته:
يجبأن نبقى معًا مسيحيين ومسلمين، لكي نبني معًا مستقبلًا أفضل لأجيالنا الطالعة.
يمكنأن نبقى معًا مسيحيين ومسلمين، لكي نبني معًا مستقبلًا أفضل لأجيالنا الطالعة.
نريدأن نبقى معًا مسيحيين ومسلمين، لكي نبني معًا مستقبلًا أفضل لأجيالنا الطالعة.
وبهذا نحقِّق مقولة البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني في رسالته ليوم السلام العالمي 2005: "إنَّ جوهر الإنسان، هو أن يكون مع ولأجل"! وهذا يعني أنَّنا دائمًا "نحن مع ولأجل" بحيث أنَّ وجودنا مرتبط دائمًا بدعوتنا ودورنا ورسالتنا.
وهذا ما يؤكِّده بولس الرسول عندما يقول: "إنَّ المسيحي لا يعيش لذاته" (رو14، 7). ويقول يوحنا الحبيب الرسول الإنجيلي "هكذا أحبَّ الله العالم حتى أنَّه بذل ﭐبنه الوحيد، لكي لا يموت كلّ من يؤمن به" (يو3، 16). وأتى النص الليترجي في القدّاس الإلهي ووُضِعَ في هذه الصيغة المعبِّرة متوجِّهًا إلى الله الآب: "لقد أحببتَ عالمكَ حتى أنَّك بذلتَ ابنكَ الوحيد..."
هكذا فإنَّ محبَّة العالم هي في الإنجيل بصيغة المطلق، وهنا في الليترجيا تصبح عبارةً متواصلةً مع عالم هو عالمنا، مع عالمنا الذي نعيش فيه. وهنا هذا العالم الذي هو عالمنا، هو العالم العربي ذي الأغلبيَّة المسلمة. إنَّه أصبح عالمنا الخاصَ بنا. ونحن علينا مسؤوليَّة خاصَّة تجاهه.
 
مسكونيَّة الشراكة والدم
كما أنَّ موقف البطاركة المشترك والمطارنة هو في هذا الخط. الدليل على ذلك رسالة الفصح المشتركة (نيسان 2015) التي أصدرناها من دمشق بمناسبة عيد الفصح والقيامة المجيد، باسمي وباسم إخوتي غبطة البطريرك يوحنا العاشر الأنطاكي للروم الأرثوذكس، ومار أفرام الثاني الأنطاكي للسريان الأرثوذكس.
هذا وقد تبادنا أثناء سينودس عام 2014 الزيارات السينودسيَّة بينناوبين الروم الأرثوذكس.
ويوم 8 حزيران 2015 كان لنا اجتماع هو الأول من نوعه، وقد ضمَّ لأول مرة البطاركة الأنطاكيين الخمسة في بطريركيَّة الروم الأرثوذكس في دمشق. وقمت مع ثلاثة من إخوتي المطارنة بالمشاركة في افتتاح سينودس بطريركية السريان الأرثوذكس في معرة صيدنايا (سورية) وألقيتُ كلمة في الافتتاح. وهذه أول مرة نشارك في سينودس لإخوتنا السريان الأرثوذكس.
وأحب أن أشير إلى أهميةالوحدةوالشراكة والصداقة القائمة بين البطاركةبنوع خاصّ، وهي تتجلَّى يومًا بعد يوم في شتّى الظروف. وأذكر منها:
 
-       القمم الروحية المتكرَّرة في لبنان
-        20 آب 2015: زيارة البطاركة إلى الإخوة والأخوات العراقيين المهجَّرين في أربيل.
-       زيارة واشنطون: بدعوة من مؤسَّسة (IDCالدفاع عن المسيحيين) ولقاء الرئيس أوباما معًا (أيلول 2014).
-       مؤتمر S. Egidioفي باري (إيطاليا 29-30 نيسان 2015) وشارك فيه بطاركة وممثلوا الآخرين.
-       في دمشق: اجتماعات كثيرة بين الطوائف منها لاسيَّما يوم 8 حزيران ويوم 13 حزيران 2015. كما ذكرت أعلاه.
-       في مصر: اجتماعات رؤساء الطوائف أثناء إقامتي السنويَّة في مصر 2014.
-       في الأردن: أيار 2014 اجتمع البطاركة الكاثوليك في مناسبة زيارة قداسة البابا فرنسيس للأرض المقدَّسة.
هجرة المسيحيين
من المؤسف أن نرى، بسبب الأزمات الراهنة، تعاظم وتفاقم هجرة المسيحيين التي تؤثِّر على ميزتهم الخاصَّة أنَّهم كنيسة هذا المشرق العربي، ذي الأغلبيَّة المسلمة. ومن هنا أتت التسمية الخاصَّة المميَّزة الفريدة لهم، والتي أحبّ أن أردِّدها بقناعة روحيَّة ولاهوتيَّة، فهم كنيسة العرب وكنيسة الإسلام. وهذا ليس مجرَّد كلام أو خطابة أو فصاحة أو تفاخر... بل هذا هو التعبير الأكثر دلالة على تاريخهم، وعلى دورهم، وعلى حاضرهم، وعلى مستقبلهم.
ومن المؤسف أنَّ هذه الهجرة تهدِّد الوجود المسيحي حتّى في لبنان. لا بل تهدِّد فرادته في العالم العربي. فقد قرأتُ في إحدى التقارير أنَّ 60 بالمئة من اللبنانيين مصمِّمون على الهجرة و 35 بالمئة ينتظرون الحصول على التأشيرة للمغادرة. وبالطبع أكثرهم من المسيحيين. إذا كانت الهجرة هكذا مستشرية في لبنان، فماذا نقول عن البلدان المشتعلة حاليًا بالحروب؟
وهذا كلّه يضعف دور المسيحيين التاريخي ويهدِّد مستقبلهم.
وعلبنا أن نعمل بكلّ قوانا، في أبرشيَّاتنا هنا وفي بلاد الانتشار، لأجل تخفيف وطأة هذه الهجرة التي أصبحت نزيفًا خطيرًا جدًا!
الهجرة في مؤتمر S. Egidio
وبهذا المعنى أذكر أمامكم بعض مداخلاتي دوَّنتها أثناء مشاركتي في مؤتمر باري (29-30 نيسان 2015). وقد شارك فيه حوالي 50 بين بطاركة (3) ومطارنة وكهنة يمثِّلون جميع الطوائف المسيحيَّة كاثوليكيَّة وأرثوذكسيَّة وبروتستانتيَّة وأنكليكانيَّة، من الشرق وأوروبا الغربيَّة والشرقيَّة وأميركا... وهذه بعض فقرات من مذكراتي، وفيها فحص ضمير للعالم الغربي!
"المصالح هي التي تقف عائقًا في طريق السلام! الغرب يضيّع هويَّته المسيحيَّة. الغرب يريد أن يكون مجتمعًا علمانيًا ضائعًا وبدون الله."
"هناك شكّ وضياع أمام رعايانا الذين يهاجرون إلى الغرب... ويجدون أمامهم مجتمعًا علمانيًا شبه ملحد!"
"من هنا أهميَّة اهتمام الكنيسة في الغرب بالمساعدة الروحيَّة للنازحين حتى يلتقي هؤلاء النازحون السوريون المسيحيون (وحتى المسلمون) يلتقوا مع كنيسة الغرب المؤمنة... وإلا فإنَّ مؤمنينا سيضيّعون إيمانهم وقيمهم، والمسلمون سيكون حقد في قلبهم تجاه غربٍ يشكِّل خطرًا على إيمانهم."
"مستقبلنا كمسيحيين لا يجب أن نفصله عن مستقبل الإسلام والمسلمين. نحن كنيسة العرب وكنيسة الإسلام مع ولأجل!"
"الرئيس السيسي طالب بثورة دينية ومجتمعيَّة وطالب بها شيخ الأزهر! وقال يجب على الإسلام أن يغيِّر نظرته إلى الآخر. لا يمكننا أن نصادم العالم و6 مليارات من سكان العالم... ولا يمكن أن يكون دينُ حقٍّ دينًا يخاف العالم منه!"
"علينا أن نعمل مع الإسلام والمسلمين وليس أن نخاف من الإسلام والمسلمين."
"أوجَّه اللوم إلى العالم الأوروبي. إنَّه يعلن حقوق الانسان... ويقف صامتًا اليوم ومنقسمًا أمام أزمات الشرق! والمسيحيون في أوروبا والاتحاد الأوروبي وأميركا عليهم أن يعوا مسؤولياتهم. إنَّهم منقسمون أمام الأزمة وأمام داعش! ولهذا فلا يمكنهم أن يحاربوا داعش!"
"كما أنَّ كلّ تدخّل بدون رؤية إلى المستقبل وإلى الحل والبديل سيكون وبالاً ودمارًا ومآسي!"
"أوجِّه ندائي إلى العالم: إذا انطفأ نور المسيحيَّة في الشرق سينطفئ في العالم."
"المسيحيون ينقصهم الولاء لإيمانهم ولقيَمهم. وأكثر المهاجرين هم الأغنياء والمقتدرون... هذا ما جرى في التاريخ وفي الحروب الحالية."
"كلمة البطريرك صفير: مليون لبناني هاجروا بين 2006 و 2010"
"حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو من أهم الأمور التي تخفّف من خطر الحركات الإسلامية ومن خطر وجود المسلمين في أوروبا."
"لا تحكموا على مجتمعنا وحتى على كنيستنا باسمنا وتهملوا رأينا ووجهة نظرنا وخبرتنا... هل تعلمون أنَّ أكثر البطاركة في الشرق لا يتَّفقون معكم حول حكمكم على هذا أو ذاك من الرؤساء والأحزاب والحكومات في شرقنا العزيز؟"
"ما قاله البطريرك صبَّاح: المسيحي الذي ليس مستعدًا أن يموت شهيدًا في سبيل إيمانه وحضوره، فلا مكان له في الشرق مهد المسيحيَّة!"
"علينا أن نكون كمسيحيين حقًا عاملي وصانعي سلام! وعلينا أن يكون لنا موقعنا لأجل تحقيق هذا الهدف." وعلى الكنيسة بطاركة ومطارنة بنوع خاص أن يقوموا بخطوات نبوية جريئة فعّالة وعمليَّة لأجل إحلال السلام! فيسجِّل التاريخ أنَّ الكنيسة كانت صانعة سلام الشرق الأوسط.
وعلى هذا الأساس طالبتُ في اجتماع البطاركة الأنطاكيين بضرورة وضع ورقة تكون خريطة طريق لصنع وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
"وأيضًا أدعو أن تأتي كنيسة الغرب وتصلِّي معنا في سوريا. مطارنة يأتون تكرارًا إلى لبنان، إلى العراق، وليس إلى سوريا."
"نحتاج أن تأتوا وتصلُّوا معنا... بدون الدخول في السياسة، وبدون أي اتّصال مع مسؤولين... هلمُّوا وصلُّوا معنا (دعوة إلى مجلس إيطاليا)"
 
أوضاع بلادنا العربيَّة ولاسيَّما في سوريا
ألم يقتنع العالم من عدم جدوى القتل والدَّمار والإجرام الذي يستهدف سورية، لينال من صمودها وثوابتها وإرادتها ورغبتها بالسَّلام؟ لماذا لا ينضمم جميع الفرقاء إلى مساعي محادثات السَّلام التي عُقدَت مؤخَّراً في روسيا؟
إنَّنا نُطلِق من جديد النِّداء الذي ورد في رسالة البطاركة الثلاثة (البطريرك غريغوريوس الثالث لحَّام بطريرك الرُّوم الملكيين الكاثوليك، البطريرك يوحنَّا العاشر يازجي بطريرك الرُّوم الأرثوذكس، البطريرك مار أفرام الثاني كريم بطريرك السريان الأرثوذكس)، وورد في رسالتنا الفصحيَّة 2015، وندعو الجميع ولا سيَّما المسلَّحين ومموِّليهم وداعميهم، وكلِّ إنسانٍ يؤمن بقيمة الإنسان مهما كان دينه وإيمانه، أن انضمُّوا إلى مسيرة القيامة والحياة!
          "هذا المشرق هو من صُلبِ هويتنا. وأما صون خميره المسيحي وطابعه الاجتماعي المتعدِّد الأديان والذي يضمُّ الكلّ تحت مظلَّة الإنسانيَّة، فهو اليوم محكُّ مصداقيَّةِ العالم تجاه هذه البقعة من الأرض وتجاه ناسها. وأمَّا أمنُه وسلامُه فهو محكُّ الضمير أمام لغة المصالح. كفانا قتلاً وتشريدًا وكفى إنساننا معاناةً. كفانا ترهيبًا وإرهابًا منظَّمًا ضد إنسان هذ االمشرق.كفانا اغتصابًا لفلسطين وتعاميًا عن قضيَّتها العادلة. كفانا جراحًا تنزف في سوريا لعامها الخامس واستيرادًا لإيديولوجيَّات متطرِّفة. كفانا لبنانًا يغلي تحت نار الحسابات الإقليميَّة والفراغ الدَّستوري، ومَصرًا تتلوَّى تحت نار القلاقل. كفانا عراقًا يُدمَّر وأقليَّات، على مختلف انتماءاتها، تهجَّر وتستباح وسط تفرُّج دولي مريب (وقد مضت سنة على تهجير المسيحيين في العراق)."
والموضوع نفسه ورد في نداء المريميَّة الذي أصدره البطاركة الأنطاكيون الخمسة (8/6/2015). وهنا نحبّ أن نثمِّن بنوع خاص مشاركة نيافة الكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في القمَّة الخماسيَّة!
 
خواطر هادفة لسينودسنا
أيُّها الأحبَّاء والإخوة الموقَّرون الأجلاء!
أسوق هذه الخواطر لأجلنا نحن كرعاة لشحذ هممنا أمام مسؤوليَّاتنا الخطيرة جدًا في تاريخ مشرقنا المسيحي. فهو مليء بالأخطار والمآسي التي تهدِّد حضورنا المسيحي ودورنا ورسالتنا وشهادتنا.
هذه الخواطر تساعدنا أيضًا لكي نجابه آلام ومخاوف وهواجس وقلق رعايانا الذين تطالهم هذه الحروب والأخطار في صميم حياتهم، في أسرتهم، وأولادهم، وعملهم، وممتلكاتهم، ومستقبلهم كلّه.
وأرى أنَّ هذه الخواطر مهمَّة لأجل توجيه وتصويب تفكيرنا ومداولاتنا وقراراتنا بشأن جدول أعمال هذا السينودس المقدَّس وبشأن الأسس الرعوية وثوابتها، وبشأن قناعاتنا وقناعات أبنائنا وبناتنا، ومجمل عملنا الرعوي وخدمتنا الكهنوتيَّة المقدَّسة.
 
جدول أعمال السينودس المقدَّس
في هذا السينودس سنكبُّ على دراسة وضع العائلة والأسرة في كنيستنا، لاسيَّما في البلاد العربيَّة في الظروف الراهنة. وسنحمل حصيلة تفكيرنا إلى سينودس روما (5-25 ت1) حول الأسرة ودعوتها ورسالتها في الكنيسة والمجتمع.
من جهةٍ أخرى سنستعرض أوضاع رعايانا في أبرشيَّاتنا والتي تتأثَّر كلُّها بسبب الأوضاع الأمنيَّة المتردية الدمويَّة، بداية من لبنان الذي يتأثَّر كلّ يوم بسبب تسونامي النازحين إليه، من العراق، ولاسيَّما من سورية. هذه الأوضاع تزداد خطورة داخل سورية، وقد دخلت الحرب عليها عامها الخامس. وتأثَّرت أبرشيَّاتنا كلّها في سورية بهذه الحرب، لاسيَّما أبرشيَّة حمص. وقد بدأت الحياة تدب فيها. وأيضًا وخصوصًا مدينة حلب العاصمة المسيحيَّة الثانية في سورية، وقد تهدَّمت أو تضرَّرت تقريبًا كلّ كنائسها، لاسيَّما في البلدة القديمة، وبنوع خاص مطرانيَّتنا والكاتدرائيَّة التاريخيَّة... أمّا دمشق فقد استقبلت العدد الأكبر من النازحين داخل سورية. وهي تبذل الجهود الجبارة المكلفة لأجل تقديم أقصى ما يمكن من المساعدة للنازحين إليها، ولاسيَّما من خلال اللجنة البطريركيَّة في دمشق. (نقدِّم مساعدة بقيمة 40 إلى 50 ألف دولار أميركي شهريًا).
وبالطبع سيفسح المجال للإخوة السادة المطارنة الموقَّرين، لاسيَّما في سورية لكي يتكلَّموا بإسهاب أكبر حول أوضاع أبرشيَّاتهم.
على جدول الأعمال أيضًا انتخابات مرشَّحين للأسقفيَّة وتقارير متفرِّقة، حول أمور لا مجال لذكرها الآن. وسنذكرها بالتفصيل في جلسات السينودس.
ونأمل أن ننجح بما اقترحته على إخوتي السادة المطارنة:
1-    من ذلك لقاء شبيبة الروم الكاثوليك، الذي سيعقد يوم الخامس من أيلول في مركز اللقاء في الربوة. ويسهر على هذا المشروع سيادة أخينا المطران عصام درويش.
2-   من ذلك لقاء المكرَّسين والمكرَّسات في كنيستنا. وقد عهدت بهذا الموضوع إلى قدس الأرشمندريت أنطوان ديب رئيس عام الرهبانيَّة المخلصيَّة. وآمل أن يشمل اللقاء الكهنة والرهبان والراهبات، والكهنة الأبرشيين والمكرَّسين والمكرَّسات، ولقاء إكليروس وكهنة وشمامسة الروم الملكيين الكاثوليك.
 
الشكر على المساعدة في الأزمة
وهنا نودّ أن نشكر كلّ الجهات التي تدعم جهودنا للمساعدة، سواء الجهات الدوليَّة، أو الفاتيكان، أو المجمع للكنائس الشرقيَّة، أو المؤسَّسات الكاثوليكيَّة والمسيحيَّة عمومًا التي تقدِّم لنا المساعدة.
وأشكر جميع إخوتي الأساقفة والرؤساء العامّين والرئيسات العامات في كلّ مكان. وقد ساهم الجميع في تخفيف معاناة رعايانا، لابل كلّ المواطنين. وأشكر شكرًا كبيرًا لبنان على استقباله للنازحين السوريين الأحبَّاء!
ونريد أن نوجِّه النداء إلى أبنائنا المنتشرين في رعايانا في أوروبا، ولاسيَّما في أبرشيَّاتنا في المهاجر لكي يجمعوا المساعدات لكي نتمكَّن من مجابهة المآسي المتزايدة يومًا بعد يوم. نشكر أبرشيَّتنا في الولايات المتَّحدة الأميركية، ومن خلال جهود أخينا المطران نيقولا سمرا الذي قدَّم لنا مساعدات سخيَّة. وساهمت قليلاً أبرشيَّة كندا. أمّا باقي الأبرشيَّات في المهاجر فلم يصلنا منها قرش واحد. فأين أولادنا في المهاجر وأين المتموِّلون الكبار؟ وأين الجهود لكي نخاطبهم ونحثّهم على العطاء والتبرُّع؟
 
قدّيسون من كنيستنا
ونريد أن نعبِّر في مطلع هذا السينودس عن آيات شكرنا للمخلِّص الإلهي الذي منَّ على كنيستنا المشرقيَّة، ولاسيَّما على كنيسة الروم الكاثوليك، بنعمة تقديس ابنة الجليل وفلسطين الأخت الكرمليَّة مريم يسوع المصلوب، مريم بواردي، أو مريم العربيَّة، التي شاركنا في الاحتفال بإعلان قداستها مع قداسة البابا فرنسيس، ومع بعض إخوتنا المطارنة والكهنة والرهبات والراهبات والمؤمنين، لاسيَّما من الجليل. وقد أرسلتُ نبذة عن حياتها إليكم، وسنعرض فيلمًا وثائقيًا في السينودس.
كما أعلنتْ في روما قداسة الأم ألفونسين، ولها جذور روم كاثوليك.
كما أنَّ الأب بشارة أبو مراد الراهب المخلصي هو على درب القداسة، وهو الآن مكرَّم، وهناك أعجوبة رُفعتْ التقارير بشأنها إلى مجلس دعاوى القدّيسين.
هذا وسأفتتح في القاهرة يوم السابع من آب 2015 دعوى تطويب السيِّد بطرس كساب، وهو مؤسِّس المدارس المسيحيَّة في صعيد مصر.
ولا ننسى الأخ سمعان سروجي الساليزي وهو روم كاثوليك ودعواه تسير ولكن ببطء!
 هذه كلّها نعم من المخلِّص على كنيستنا الروميَّة الملكيَّة الكاثوليكيَّة وعلى كنائسنا كلّها، لا بل على مجتمعنا وعالمنا العربي.
إعلان قداسة الراهبة مريم يسوع المصلوب
أحبّ أن أتوقَّف قليلاً حول شخصيَّة قدّيستنا "مريم العربيَّة".
مريم يسوع المصلوب العربيَّة القدّيسة الجديدة حافز لنا لنبقى هنا. تقديسها يوم 17 أيار 2015 حدث مشجِّع لنا. وقد نشرتُ كلمة بمناسبة تقديسها، أقتطف منها ما يلي:
أبدأ بكلمة من الأم ماري جما، رئيسة دير الكرمل في الهند الذي أسَّسته مريم يسوع المصلوب:
"إنَّنا نرفع الدعاء إلى مريم الصغيرة، ونصلِّي لأجل العالم العربي، مسيحيين ومسلمين. إنَّ تقديس مريم العربيَّة سيكون هديَّة ثمينة للكنيسة في الشرق الأوسط. وسيبعث الأمل والشجاعة في قلوب وأفكار المسيحيين المتألِّمين في الشرق الأوسط. وإنَّنا نصلِّي لكي ينعم الله بشفاعتها بالسلام على هذه الأرض الرازحة تحت عبء هذه الصراعات".
وأضافت الراهبة جما: "إنَّ المسيحيين هم جزء مهمّ جدًا من تاريخ الكنيسة، واندثار وجودهم سيعرِّض العالم العربي لدمار مأساوي".
وأضيف:
"إنَّنا نشعر بفرحٍ عارم في كنيستنا الروميَّة الملكيَّة بتقديس الراهبة الكرمليَّة مريم يسوع المصلوب."
"إنَّها قدّيسة من الأرض المقدَّسة."
"إن