صاحب الغبطة يوسف

رسالة ميلاد 2009 - بمناسبة عام الكاهن

٢٥ ١٢ ٢٠٠٩


 



رسالة غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك
بمناسبة عام الكاهن
19 حزيران 2009 _ 19 حزيران 2010
 

 

يسوع الكاهن الأعظم


 
"أنتَ كاهنٌ إلى الأبد"
(مز 4:110 وعب 6:5)
من غريغوريوس عبدِ يسوعَ المسيح
برحمة الله تعالى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والاسكندريّة وأورشليم

إلى السّادة المطارنة، أعضاء المجمع المقدَّس الموقّرين
إلى أبنائنا الكهنة الأحبَّاء
وسائر أبنائنا وبناتنا بالمسيح يسوع، إكليروساً وشعباً
المدعوّين ليكونوا قدّيسين، مع جميع الذين يدعون ب?سم ربِّنا يسوع المسيح، ربِّهم وربِّنا
نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح (اكور: 1_3).

"أنتَ كاهنٌ إلى الأبد"
(مز 4:110 وعب 6:5)
 

أنتَ كاهنٌ إلى الأبد: هكذا تُخاطب الكنيسة الكاهنَ المرتَسِم جديداً. وهكذا تُخاطب الأناشيدُ اللِّيترجيّة السَّيِّدَ المسيح في يوم ميلاده المجيد: أنتَ كاهنٌ إلى الأبد. ويقول القدِّيس بطرس الرسول: السَّيِّد المسيح هو أسقف نفوسنا (1 بطرس 2:25). وفوق عرش المطران تتصدَّر إيقونة السَّيِّد المسيح الكاهن الأعظم. والإيقونات المقدَّسة، ومنها الإيقونة التي تتصدَّر هذه الرِّسالة، تُصوِّر السَّيِّد المسيح مرتدياً الثِّياب الكهنوتيّة والأسقفيّة.
عيد الميلاد هو عيد ميلاد هذا الكاهن الأعظم، الذي وحده دخل قدس الأقداس، وأجرى لنا خلاصاً وفداءً.
ولهذا أردنا أن نكرِّس رسالة الميلاد لهذا العام، للكلام عن الكاهن في عام الكاهن. ونُقدِّم التَّهاني القلبيّة الميلاديَّة لجميع الذين نشترك معهم في النِّعمة العظيمة، أي نعمة الكهنوت المقدَّس، إخوتنا الأساقفة وأبنائنا الكهنة. إنَّها تجعل من الكاهن "أعظم من الملائكة" كما يقول القدِّيس يوحنَّا فم الذَّهب. "ويجب أن تكون نفسه أطهر من أشعة الشَّمس، لكي يسكن فيها الرُّوح القدس. أيَّةُ درجةٍ من القداسة والطَّهارة، يجب أن تصعد إليها تلك النَّفس الكهنوتيّة، التي تستقبل الرُّوح القدس؟"
ونُقدِّم التَّهاني الميلاديَّة إلى زوجات الكهنة والشمامسة، وبنوعٍ خاصّ إلى الآباء والأمَّهات الذين قدَّموا ويُقدِّمون أولادهم لخدمة الكهنوت المقدَّس.
ليكُنْ هذا العام مناسبةً لكي نتقدَّس كما تدعونا صلواتنا: "تقدَّسوا يا حاملي آنية الرَّبّ". كونوا قدِّيسين لأنِّي أنا قدُّوس.( لا 2:19 و 1 بطرس 16:1)
لقد كتبتُ هذه الرِّسالة على مدى أشهرٍ (تمُّوز وآب وأيلول وتشرين الأوَّل والثَّاني) في لبنان وسوريا، وأيضاً في إيطاليا وألمانيا وتشيكيا والولايات المتَّحدة الأمريكيّة. ومن خلال ذلك كنتُ أشعر أنَّني في علاقةٍ روحيّة حميمة أبويَّة مع إخوتي وأبنائي الكهنة، أُفكِّر فيهم، عملهم، رسالتهم، مشاكلهم... وهذه الرِّسالة هي ثمرة هذا التَّواصل مع كهنتي الذين أحملهم دوماً في قلبي وفكري وصلاتي، خاصَّةً في ليترجيا القدَّاس الإلهي.

 

عام الكاهن
 

لقد أعلن قداسة البابا بندكتوس السَّادس عشر في التَّاسع عشر من حزيران 2009 بداية عام الكاهن، الذي يمتدّ حتَّى 19 حزيران 2010 وشعاره: "أمانة المسيح، أمانة الكاهن". وغايته، كما جاء في خطاب قداسته، هو إحياء "الذِّكرى المئة والخمسين لولادة القدِّيس جان ماري فيانّيه إلى السَّماء، وهو شفيع كلّ كهنة الرَّعايا في العالم. هذه السَّنة تهدف إلى المساهمة في تقوية الالتزام بتجدُّدٍ داخلي عند كلِّ الكهنة من أجل شهادة إنجيليّة أعمق في عالم اليوم".
سينودسنا المقدَّس عُقِدَ قبل إعلان العام الكهنوتي، ولكن لم يفته الكلام عن هذا الموضوع الهامّ. وقد ?فتتح السِّينودس بعظة روحيَّة ألقاها سيادة المطران عصام درويش بعنوان: "الكاهن عند القدِّيس بولس". وألَّف السِّينودس لجنة لإحياء هذا العامّ برئاسة سيادة المطران سليم غزال الكلِّيِّ الوقار. وأوصى آباء السِّينودس بما يلي:
1_ توجيه رسالة عامة باسم آباء السِّينودس المقدَّس حول هويَّتهم ودورهم ورسالتهم.
2_ تقديم خادم الله الأب بشارة أبو مراد الرَّاهب المخلِّصي مثالاً لكاهن الرَّعيّة.
3_ إعداد مؤتمر للكهنة.
4_ إصدار بعض المنشورات بشأن الدَّعوات الكهنوتيّة.
5_ بدء حملات منظَّمة ومُخطَّط لها خصوصاً في الحركات الرَّسوليّة والمدارس الثَّانويّة والجامعات في البلاد العربيّة وبلاد الانتشار لحثّ الطُّلاب على دراسة اللاهوت والانخراط في سلك الكهنوت.
6_ تحديد معايير دقيقة ومفصَّلة لقبول دعوات الكهنة الأبرشيِّين البتوليِّين والمتزوِّجين والكهنة الرُّهبان.
هدف هذه الرِّسالة هو دعوة الجميع إلى أن يعملوا كلُّ واحدٍ بنفسه وباهتمام مميَّز على عيش هذا العام وكأنَّنا في السَّنة الأولى من كهنوتنا. وليضع كلُّ واحدٍ منَّا برنامجاً خاصَّاً من الممارسات الرُّوحيّة والطَّقسيّة والقراءات حول الكهنوت لإنعاش هذا العام. وليعكِفْ كلّ كاهن ومطران على خلق جوّ كهنوتي في حياته الشَّخصيَّة، وفي أبرشيَّته.
أفرح بأن يكون هذا العام، عامُ يوبيلي الكهنوتي الذَّهبي 50 سنة، عامَ الكاهن وأن أكتب هذه الرِّسالة بالمشاركة مع إخوتي الأساقفة رعاة كنيستنا، لكي يُتاح لي من خلالها أن أعيش سنة يوبيل جميلة. وأُهنئ الكثيرين من أساقفة وكهنة يعيشون هذا العام عام يوبيل كهنوتي. لا بل كلُّ عامٍ كهنوتيّ هو "يوبيل" أي سبب فرحٍ وغبطة وسعادة.
إنَّ هذا العام، وهذه الرِّسالة فرصة فريدة سعيدة: أن نخاطب كهنتنا الأحبَّاء وهم حوالي أربعمائة كاهن أبرشي وراهب، وكأننا -كلّنا البطريرك والمطارنة- فمٌ واحد ولسان واحد وفكرٌ واحد نتوجَّه إليهم بمحبَّة المسيح الكاهن الأوَّل. ونقول لهم كما كان يقول سلفي البطريرك مكسيموس الخامس: الكهنة وطلاب الكهنوت هم بؤبؤ عيني.
وإذا كنتُ أُبادر الجميع بعبارة: أنا أحبُّكم! فإنِّي أقولها اليوم لكلّ إخوتي الكهنة: أنا أحبُّكم. ويقولها أيضاً كلّ إخوتي الأساقفة. ونقول لكم: نحن (رعاتكم) نحبُّكم...
وإنَّنا إذ نتوجَّه إلى إخوتنا الكهنة، نتوجَّه إلى ذواتنا: لأنَّ الكاهن هو مطران الرَّعيّة! ولا يمكن أن نقوم بواجبنا الرَّعائي الأسقفي بدون كهنتنا... لا يمكننا أن نخدم شعبنا بدون كهنتنا... لا يمكننا أن نرعى الرَّعيّة بدون كهنتنا... لا يمكننا أن نعطي شعبنا الغذاء الرُّوحي: كلمة الله والإفخارستيا والأسرار، بدون كهنتنا.
لقد كُتِب الكثير الكثير عن الكاهن: آباء الكنيسة. الوثائق الكنسيّة، بخاصَّة في المجمع الفاتيكاني الثاني. وثائق البابوات بعد المجمع. وفي هذا العام يكتب الكثيرون الكتب، ويلقون المواعظ عن الكاهن. وهذا كلُّه يؤلِّف غذاءً روحيّاً لإخوتنا وأبنائنا الكهنة. وهم أنفسهم سيلقون المواعظ الكثيرة عن الكاهن والكهنوت والدَّعوة الكهنوتيّة طيلة هذا العام.
رسالة البطريرك والسَّادة الأساقفة لكنيسة الرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك تحمل طابعاً خاصَّاً مميَّزاً. نريد من خلالها أن نرسم معالم صورة الكاهن وواجباته من خلال تراثنا الشَّرقي، الرُّومي المَلَكي الكاثوليكي بكلّ مميّزاته، ومنها الكثير الذي ورد في رسالة البابا الرَّاحل يوحنَّا بولس الثَّاني بعنوان "نور الشَّرق" (عام 1995)
تتمحور رسالتنا حول الأمور التالية:

1- روحانية الكاهن عند يوحنا فم الذهب
2_ روحانيّة الكاهن الشَّرقي في ليترجيا القدِّيسَين يوحنا فم الذَّهب، وباسيليوس الكبير والأقداس السَّابق تقديسها.
3_ روحانيّة الكاهن من خلال صلواتنا الطَّقسيّة على مدار السَّنة في أعياد السَّيِّد والسَّيِّدة والقدِّيسين خاصَّةً الرُّسل والكهنة. ومن خلال صلوات الدرجات الكهنوتية المقدسة.
4_ روحانيّة الكاهن من خلال مجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيّة.
5_ روحانيّة الكاهن من خلال تقاليد العمل الرَّعوي في كنيستنا.
6_ العلماني رسول إلى جانب الكاهن
7- ملامح كاهن روميٍّ ملكيٍّ كاثوليكي
8- بولس الرسول يكّلمنا في عام الكاهن.
من جهةٍ أخرى يا ليتنا نضع معاً دليل العمل الرَّعوي في كنيستنا فيكون ثمرةً روحيّةً لهذا العام، تبقى غذاءً كهنوتيّاً ونبراساً في حياة كهنة كنيستنا الأحبّاء.
رسالتنا تتوجَّه إلى كاهن الرُّوم الكاثوليك في الألفيّة الثَّالثة في عالمه العربيّ المشرقي، وفي أماكن انتشار رعايانا وكهنتنا في العالم بأسره، في أوروبا وفي أميركا وفي أوستراليا...إنّها رسالة ذات طابع شرقي، خاص بكنيستنا وتراثنا وخبرتنا.
إنَّها رسالة ترتكز على أمثال الكهنة السَّلف الصَّالح، ومنهم خوري آرس في الغرب، وكاهن من شرقنا هو خادم الله الأب بشارة أبو مراد... إنَّها رسالة ترتكز على روحانيّة كاهن الأمس، موجَّهة إلى كاهن اليوم، آخذةً بعين الاعتبار متطلِّبات حياة الكاهن في الظروف الحاضرة. وإذا كان المسيح كما يقول بولس الرَّسول هو هو أمس واليوم وإلى الأبد فالكاهن يحمل في شخصيَّته وروحانيّته وعمله ورسالته وخدمته ثوابت شخصيّة السَّيِّد المسيح الإله والإنسان، وهو الكاهن الأعظم، وهو أسقف نفوسنا كما قال القدِّيس أغناطيوس. وهو الكاهن إلى الأبد!...
هذه هي الأُطر الأساسيّة لهذه الرِسالة إلى كهنة كنيستنا الأحبَّاء.

 


روحانيّة الكاهن الشَّرقي
من خلال ليترجيا القدَّاس الإلهي

 

روحانيّة الكاهن تتجلَّى من خلال الاحتفال باللِّيترجيا الإلهيّة التي هي غذاؤه اليومي، وغذاء عمله الرَّعوي، وغذاء المؤمنين الذين أُقيم كاهناً لأجلهم، لأجل خلاصهم وتقديسهم ورعايتهم ومحبَّتهم. الإنسان لا يُعطي إلا ما يملك. وفي اللِّيترجيّا الإلهيّة تُشحن نفسُ الكاهن بشحنة النِّعمة الإلهيّة التي تشفي المرضى وتُكمِّل النَّاقصين، وهي التي انتدبت الكاهن للخدمة الكهنوتيّة.
القدِّيس خوري آرس تميَّز بالاحتفال اليومي المثالي بسرّ الإفخارستيا. وفي شرقنا تميَّز في الأمر نفسه الأب بشارة أبو مراد، لا بل كلّ كاهن يشعر بأنَّ يومه يتقدَّس من خلال الاحتفال اليومي باللِّيترجيا الإلهيّة، ومنها يستقي كلّ ما يحتاجه ليرعى رعيَّته ويُغذِّيها بالغذاء اليومي والخبز الجوهري والشَّراب الرُّوحي، راعياً إيَّاها في المراعي الخصيبة، مراعي تعاليم الإنجيل المقدَّس، بالوعظ والإرشاد والرِّعاية والحدب والتواصل، وكلّ أنماط الخدمة الرَّعويّة المقدَّسة.
دعونا أيُّها الإخوة والأبناء الأحبَّاء نسير معاً، أساقفة وكهنة، في مراتع بستان ليترجيا القدِّيس يوحنَّا فم الذَّهب. فهي مدرسة كهنوتيّة راقية، مؤهَّلة لتخريج كهنة قدِّيسين حائزين على أعلى درجات علم الرُّوح، متخصِّصين في التَّدبير الإلهي الخلاصي حائزين معرفة الحكمة الإلهيّة، ممتلئين من مواهب الرُّوح القدس المتنوِّعة، لأجل سدِّ حاجات القدِّيسين المؤمنين بالسَّيِّد المسيح.
هذه المسيرة هي تأمُّل روحي في ما توحي به إلينا وتوصينا به صلوات القدَّاس الإلهي.
صلوات الاستعداد: وهي تشمل إكرام الإيقونات وصلاة الباب وصلوات ارتداء الحلَّة الكهنوتيّة المقدَّسة وتهيئة القرابين.
هذه المقدَّمات هي ذات أهميّة بالغة! فهي صلوات الدُّخول والمدخل إلى الاحتفال المقدَّس. وهي تضع الكاهن في جوٍّ ملائم من الرَّهبة والاحترام الفائق والتَّوبة، أمام إيقونات السَّيِّد المسيح ومريم العذراء والقدِّيسين، وهم جميعاً مشاركون للكاهن في خدمته الكهنوتيّة وشاهدون عليها وعلى الكاهن. وهذه الصَّلوات والحركات هي جزء من تهيئة تدريجيّة نفسيّة ضروريّة لكي ينتقل الكاهن من الاهتمامات الدُّنيويّة إلى مداخل الرُّوح. وعلى الكاهن ألاَّ يُهمل هذا المدخل الجميل إلى الأقداس.
ولسان حال هذا الجزء هو الصَّلاة الجميلة: "يا رب أرسل يدك من علوِّ مقدسك. وقوِّني على خدمتك التي أنا مزمعٌ أن أقوم بها، حتى إذا ما وقفتُ لدى مذبحك المقدَّس أكمِّل الذَّبيحة الكهنوتيّة غير الدَّمويّة". ولا ننسى قبلة الإيقونات والمائدة المقدسة التي هي تعبيرٌ عن الشَّوق إلى الاحتفال باللِّيترجيا. وهي ما نقوم به عندما نلتقي بشخصٍ محبوب ونُبادله قبلة المحبّة!
ويتهيأ الكاهن للاحتفال باللِّيترجيا من خلال الصَّلوات التي ترافق ارتداء الثياب الكهنوتيّة، التي تُعتبر بحقّ أيضاً تهيئة روحيّة للعمل الرَّعوي اليومي. وتُعبِّر عن النِّعم والمواهب الضَّروريّة لكي يقوم الكاهن بالخدمة الكهنوتيّة على أحسن وجه.
فهو فرِحٌ في كهنوته: تبتهجُ نفسي بالرَّبّ لأنَّه ألبسَني ثوب الخلاص، وأفاض عليَّ غزير نعمه: تبارك الله الذي يفيض النِّعَم على كهنته... وهو الذي يُمنطق الكاهن بالقوَّة، ويجعل طريقه الكهنوتي وسلوكه ومسلكه بلا عيب! وهو الذي يسنده بيده اليُمنى ويسحق أمام قدمَيه كلَّ قوَّةٍ مُعادية، لكي يسير بحسب وصايا الرَّبّ ويُرشد الرَّعيّة إلى حفظها.
إلى هذه العواطف والمشاعر والتَّوجُّهات الرُّوحيّة تُشير صلوات ارتداء الحلَّة الكهنوتيّة، التي يرتديها الكاهن بتقوى وصمت وتأمُّل وفرح.
وتتبع ذلك تهيئة القرابين. هذه الرّتبة الخاصَّة بطقسنا اليوناني _ البيزنطي، تُدخِل الكاهن في سرّ التَّدبير الخلاصي وفي شركة القدِّيسين، وفي علاقة شخصيّة مع أبناء الرَّعيّة. فيهيئ الكاهن الحمل الرَّافع خطيئة العالم، والذي يساعده في خدمة المصالحة (التَّوبة والاعتراف). ثمَّ يذكر مريم العذراء والملائكة والأنبياء وجميع رتب القدِّيسين. ويذكر الأحياء والأموات في رعيَّته كلاًّ باسمه حسب اللَّوائح التي يرفعها إليه المؤمنون. فهو مثل الرَّاعي الصَّالح يعرف أسماء أبناء وبنات رعيَّته ويذكرهم أمام الله طالباً لهم خيرات ونِعَم الرَّبّ السَّماويّة والأرضيّة.
نلاحظ بأسفٍ كبير أنَّ بعض الكهنة يوكلون تهيئة الذَّبيحة إلى السَّكرستاني أو سِواه من العلمانيِّين!

 


ليترجيا الكلمة
 

في هذا الجزء من اللِّيترجيا نجد صلوات خاصَّة لأجل الكهنة والشمامسة في علاقتهم مع الأسقف، فهم كهنته وهو أبوهم. وتتردَّد الصَّلاة لأجل الكهنة 4 مرَّات. والكاهن يصلِّي لأجل كلّ فئات رعيَّته. وكم هو جميل أن يصلِّي الكاهن بحرارةٍ لأجل رعيَّته. وكأنَّه يزورهم في بيوتهم ويتفقَّدهم في أحوالهم. وهذا هو شعوري البطريركي عندما أُصلِّي، وكأنَّني في علاقة روحيّة مع كلّ أبناء وبنات الرُّوم الكاثوليك في العالم. وهكذا تبقى الصَّلاة الطَّقسيّة وليترجيا القدَّاس الإلهي أجمل موقع لتواصل الكاهن مع رعيَّته!
أحبُّ أن أشير إلى صلاة الدُّخول التي تُتلى سرّاً. ويا ليتنا نتلوها بعض المرَّات علناً. وفيها يصلّي الكاهن قائلاً "إجعل مع دخولنا دخول ملائكةٍ قدِّيسين يشاركوننا في الخدمة وفي تمجيد صلاحك". هذه الإشارة إلى الملائكة دعوة إلى الكاهن لكي يتفهَّم أهميَّة عمله، وما يجب أن يكون عليه من المهابة والرَّهبة والجمال واللَّياقة والاحترام وحتَّى العظمة في الاحتفال باللِّيترجيا الإلهيّة، التي يحتفل بها الملائكة في السَّماء وهو يشاركهم فيها، وهو بدوره يحتفل بها على الأرض ويشاركه الملائكة فيها ويساعدونه في إقامتها والاحتفال بها.
فكرة المشاركة بين الكاهن والملائكة تتردَّد في الصَّلاة التي تسبق نشيد "قدُّوسٌ الله"، وهي كلُّها وصفٌ لما يقوم به الملائكة من الاحتفال، وهم ينضمُّون إلى الكاهن والشعب، والكاهن والشعب ينضمُّون إلى الملائكة، لكي يؤلِّفوا معاً جوقاً واحداً يرفعون نشيد "قدُّوسٌ الله". وهنا تظهر بجلاء "عالميّة" (Cosmique) أو"كونيّة" الاحتفال باللِّيترجيا الإلهيّة، والكاهن هو المحتفل الأساسي فيها، والمنتدب لكي يكمِّلها بأروع الجمال!
وما أكثر الصَّلوات التي تشير إلى أهميّة عمل الكاهن في اللِّيترجيا، وإلى أهميّة الصَّلاة لأجل الشعب، ومشاركة الشعب في الاحتفال.
هذا ما نقرأه في صلاة الاستعداد لقراءة وسماع الإنجيل المقدَّس، وهي صلاة مشتركة للكاهن وللشعب. وكذا القول عن صلاة المؤمنين الأولى، وفيها صلاة لأجل الشعب، ولأجل الكاهن الذي يجب أن يتحلَّى بشهادة الضَّمير الصَّالحة لكي يقدِّم الذَّبائح والابتهالات لأجل الشعب. وكذلك الأمر في صلاة المؤمنين الثانية وفيها ابتهال لأجل الشعب، وطلب تطهير نفس الكاهن وجسده، لكي يكون على أحسن أهبة للاحتفال المقدَّس.
وتأتي الصَّلاة الكهنوتيّة الرَّائعة التي تسبق زياح نقل القرابين إلى الهيكل الكبير. صلاة الشيروفيكون! إنَّها صلاة كهنوتيّة بامتياز، وتوازي الصَّلاة القصيرة أمام الأبواب المقدَّسة. في هذه الصَّلاة يسوع هو رئيس الكهنة، وهو المحتفل الأكبر، المقرِّب والمقرَّب والموزِّع والموزَّع! والكاهن يلبس نعمة الكهنوت لكي يشارك السَّيِّد المسيح نفسه في الاحتفال. كم هو حريٌّ بأن يتأمَّل الكاهن في هذه الصَّلاة استعداداً للاحتفال باللِّيترجيا الإلهيّة اليوميّة.
لا بل نرى الشعب كلّه يشترك في كهنوت المسيح، وينضمّ إلى الكاهن ليؤلِّف مع الملائكة مصفَّاً عظيماً رائعاً. فالكاهن مع الشعب هم الذين يمثِّلون الشيروبيم المحتفلين باللِّيترجيَّا السَّماويّة. ما أجمل هذا النَّشيد ينشده الشعب كلّه: "أيُّها الممثِّلون الشيروبيم سرِّيَّاً..." (ونأسف أن يستبدل بعض الكهنة هذا النَّشيد بنشيد آخر لمريم العذراء أو حتَّى للمسيح أو سواه...). هذا النَّشيد هو محوري أساسي في خصوصيّة وميزة الطَّقس اليوناني _ البيزنطي. ويجب أن ينشد بأكبر أبَّهة وجمال. وكذا القول عن صلاة الكاهن التي تسبقه أو ترافقه.
الشركة في الخدمة اللِّيترجيّة ميزة طقسنا الجميل. وهذا يظهر في الحوار بين الكاهن والشمَّاس بعد نقل القرابين. ورباط هذه الشركة هو الرُّوح القدس الذي يحلُّ مراراً في ليترجيّة طقسنا، على الكاهن والشمَّاس الذي يساعده في الخدمة، بحيث يرافق الرُّوح القدس الكاهن في خدمته المقدَّسة، الأسراريّة والرَّعويّة "جميع أيَّام حياته".
اللِّيترجيا مسيرة نحو الملكوت من خلال الاحتفال بها. لأجل هذه المسيرة يصلِّي الكاهن بعد نقل القرابين قائلاً: "قُدْنا" أو "قدِّمْنا" إلى مذبجك المقدَّس! إنَّها حقَّاً مسيرةٌ نحو الكمال والرُّقيّ الرُّوحي. ولهذا السَّبب تتردَّد طلبات الكاهن لأجل تقديسه شخصيَّاً وتقديس الذَّبيحة بواسطته.
ويعبِّر الكاهن عن هذه المسيرة والتصاقه بالهيكل وبالقرابين المقدَّمة عليه، حينما يُقبِّل الصَِّينيّة والكأس والهيكل قبل أن يُقبِّل الكهنة أو المشاركين معه في اللِّيترجيا الإلهيّة. إنَّ هذه القبلة هي تعبيرٌ عن التصاق الكاهن بالهيكل، وشوقه الكبير إلى الاحتفال باللِّيترجيا. وهذه القبلة تذكِّره بيوم رسامته الكهنوتيّة المقدَّسة حيث طاف حول الهيكل ثلاث مرَّات مُقبِّلاً الزوايا الأربع بورعٍ كبير! ولسان حاله المزمور (83) "ما أحبَّ مساكنك يا ربَّ القوَّات تشتاق وتذوب نفسي إلى ديار الرَّبّ ويهتزُّ قلبي وجسمي بالإله الحيّ". وأيضاً: "أطوف بمذبحك يا ربّ..."
ما أهمَّ هذه العواطف ترافق الكاهن وتنعش احتفاله باللِّيترجيا الإلهيّة!
ويصل الكاهن إلى قمَّة الاحتفال باللِّيترجيا الإلهيّة في صلاة الشُّكر التي هي حقَّاً صلاةٌ كونيّة تجعل الكاهن يجول جولةً جميلة في أرجاء التَّدبير الخلاصي بأسره وبكلِّ مراحله: تعليم الرَّبّ، آلام السَّيِّد المسيح، موته وقيامته وصعوده إلى السَّماء وعودته...
وهنا أيضاً يتذكَّر ويشعر أنَّه ليس وحده، لا بل إنَّما هو ينضمُّ إلى صفوف ربوات الملائكة الذين يحتفلون باللِّيترجيا. ونجد هنا أجمل تعبيرٍ عن هذه المشاركة بين ليترجيا السَّماء وليترجيا الأرض بهذه العبارة القصيرة وهي تميِّز طقسنا عن كلِّ الطُّقوس شرقاً وغرباً. وهي العبارة التي تأتي في سياق صلاة الشُّكر حيث يصلِّي الكاهن: "نشكرك على هذه الخدمة التي ترتضي أن تقبلها من أيدينا، مع أنَّ ألوفاً من الملائكة وربواتٍ الملائكة يخدمونك إلخ...".
هذه العبارة "مع أنَّ" تختصر هذه العلاقة بين السَّماء والأرض، وهي تعبيرٌ عن مقولة الآباء القدِّيسين عن اللِّيترجيا: أنَّها السَّماء على الأرض، لا بل هي السَّماء مع الأرض، والأرض مع السَّماء!
الكاهن هو الوسيط العظيم على حقارته وضعفه وخطيئته! إنَّه الوسيط مع الملائكة! وهو الوسيط لأجل الشعب كما يصلِّي قبل المناولة المقدَّسة: "أصغِ أيُّها الرَّبُّ يسوع المسيح إلهنا من مسكنك المقدَّس... وهلمَّ لتقديسنا... وارتضِ أن تُشركِنا بيدك العزيزة في جسدك الطَّاهر ودمك الكريم، وأن تُشرِكَ فيهما بواسطتنا كلَّ الشعب...".
في هذه اللِّيترجيا يظهر الكاهن في "تهيئة" مستديمة طيلة اللِّيترجيا، لكي يحتفل بأجمل وأنبل العواطف والاستعدادات باللِّيترجيا، وفي الوقت نفسه يصلِّي ويتضرَّع لأجل الشعب الحاضر لكي يهيَّئه بدوره للمشاركة في الأسرار المقدَّسة بواسطته وعن يده. وهو بدوره يَقبلُ هذه القربانة المقدَّسة من يد يسوع، إذ يتناول واضعاً القربانة المقدَّسة في راحة يده اليُمنى وكأنَّها تصبح يد يسوع الذي يناول الكاهن بنفسه ومن يده المقدَّسة. بالأسف قلَّما يعطي الكهنة هذه الرُّتبة وهذه الحركة اللِّيترجيّة أهميَّتها الرَّمزيّة الرَّائعة.
وهنا نذكر حادثة صغيرة من حياة القدِّيسة تريزيا الطِّفل يسوع الصَّغيرة، فقد كانت مسؤولة عن تهيئة القدَّاس اليومي في دير الكرمل. فكانت، كما تروي هي، تُقبِّلُ البرشانة، حتَّى عندما يحلُّ يسوع فيها يجد قبلة حبٍّ من تريزا!!! نحن بحاجة إلى هذه العبادة الطَّقسيّة والعلاقة الحميمة بيسوع. وإلى هذا تدعونا هذه الحركة الطَّقسيّة الخاصَّة بطقسنا، والتي نمارسها بخاصَّةٍ عندما يحتفل الكاهن مع المطران.
وفي الختام صلاة أخرى لأجل الكهنة والشعب بأسره. وأيضاً إشارة إلى أنَّ اللِّيترجيا هي الاحتفال الرَّهيب الجميل بمجمل أعمال التَّدبير الخلاصي! إنَّها احتفالٌ بذكرى الرَّبّ القائم من بين الأموات والباقي معنا. والكاهن هو الذي من خلال الاحتفال اليومي باللِّيترجيا ومع الشَّعب ولأجل الشَّعب يشترك ويُشرِك الشَّعب بهذا التَّدبير الخلاصي.
إلى هذا تشير صلاة ختام ليترجيا فم الذَّهب: "أيُّها المسيح بما أنَّك كمال النَّاموس والأنبياء، وقد أكملت كلَّ ما دبَّرته عناية الآب". وفي ليترجيا القدِّيس باسيليوس نقرأ: "لقد تمَّ وانتهى على قدر طاقتنا سرُّ تدبيرك يا ربّ..."

 

ليترجيا القدِّيس باسيليوس
 

في الأجزاء والصَّلوات الخاصَّة باللِّيترجيا الإلهيّة للقدِّيس باسيليوس تتردَّد الصَّلوات الكهنوتيّة وفيها تذكير بعمل الكاهن العظيم. فهو خادم المذبح، والعهد الجديد، ووكيل الأسرار المقدَّسة. ويحتاج إلى قدرة الرُّوح القدس لكي يقوِّيه ويجعله كفوءاً للخدمة. الرُّوح حاضرٌ في كلِّ مراحل القدَّاس الإلهي. وكأنَّ الكاهن في هذا الاحتفال المقدَّس تحت تأثير حلول الرُّوح القدس (Epiclèse) الدَّائم في اللِّيترجيا كما في الأسرار المقدَّسة. فلا شيء يعمل بدون الرُّوح القدس كما كان يعلِّم باسيليوس الكبير.

هنا أيضاً نجد صلوات تحرِّض الكاهن على التَّقوى وتنبِّهه إلى أهميّة عمله المقدَّس، لأنَّه واقفٌ أمام الهيكل الأرضي وكأنَّه واقفٌ أمام الهيكل السَّماوي (صلاة تقدمة القرابين).

 

روحانيَّة الكاهن وأعياد القديسين

نجد في سنكسار أو سيَر القدِّيسين وتذكاراتهم نماذج رائعة عن الكاهن، عن صفاته وواجباته وخدمته... نتوقَّف عند بعض أناشيد القدِّيسين
نبدأ بنشيد القدِّيس نيقولاوس الذي نُقيم تذكاره أسبوعيّاً يوم الخميس، وهو نفسه النشيد لرؤساء الكهنة والكهنة. فالقدِّيس نيقولاوس يظهر لرعيَّته بحقيقة أعماله "قانونَ إيمانٍ ومثالَ وداعةٍ، ومعلِّمَ قناعة". ولذا "يُحرز بالاتِّضاع العُلى، وبالفقر الغِنى".
وفي النشيد لرئيس كهنة شهيد، نكتشف هذه الصِّفات:"مشاركة الرُّسل في أخلاقهم" (والأصحّ في أحوالهم)، "العمل هو المرقاة لرؤية الإلهيَّات". الكاهن ملهَمٌ من الله، يُفصِّل بأحكامٍ كلمة الحقّ، ويجاهد عن الإيمان حتَّى الدَّم".
وفي النشيد لأسقف راهب، نكتشف باقة أخرى من مهمَّات الكاهن الرُّوحيَّة والرَّعويَّة: فهو"دليل الإيمان القويم. ومعلِّم التَّقوى والسِّيرة الحميدة. وكوكب المسكونة، وزينة الكهنة الملهَم من الله. يُنير الجميع بتعاليمه. فهو قيثارة الرُّوح القدس".
وفي النَّشيد للرَّاهب (كاهن أو سواه) نكتشف روحانيَّة نُسكيّة تحمل صفات الكاهن المتّحد بالله. وقد "حُفظت فيه صورة الله بتدقيق، لأنَّه أخذ الصَّليب، وتبِعَ المسيح. معلّمًا بالعمل إهمال الجسد لأنَّه زائلٌ، والاهتمام بالنَّفس لأنَّها خالدة".
وفي نشيد مماثل نقرأ "بسيول دموعك أخصب القفر العقيم، وبزفراتك العميقة أثمرت أتعابك مئة ضعف. فصرت للمسكونة كوكباً متلالئاً بالعجائب".
وفي وصف الحياة النُّسكيَّة الرُّوحيَّة التي على كلِّ كاهن أن يتحلّى بها نقرأ :"لقد ظهرت مستوطناً القفر، وملاكًا بالجسم، وصانعاً للعجائب، ولابسًا الله. وحُزت المواهب السَّماويَّة، بالصَّوم والسَّهر والصَّلاة، وشفيت السُّقماء، ونفوس المسارعين إليك بإيمان"
وفي نشيد القديسَين ذيونيسيوس وإيروثاوس أسقفَي أثينا، واللَّذَين اهتديا بكرازة بولس في محفل الأريوباغوس، نجد هذا الوصف الجميل للكاهن:" تعلَّمتَ الصَّلاح وكنتَ متيقِّظاً في كلِّ شيىء. ولبست استقامة الضَّمير كما يليق بالكهنة. فاستوعبت من الإناء المصطفى (بولس) الأسرار المعجزة البيان، وحفظت الإيمان، وأتممتَ شوطك مثله".
وفي خدمة يوم الخميس المخصَّص للرسل في كتاب المعزِّي بالألحان الثَّمانية، نجد بعض ملامح الكاهن. "الرُّسل هم قيثارةٌ منسجمة الأنغام، يعزف عليها الرُّوح القدس. إنَّهم هم الذين يرشدون الأنام إلى النُّور. وقد لمعوا بأعمال الإيمان الصَّحيح. إنَّهم أواني المعزِّي الإلهيّة. ونتوجَّه إليهم نحن الكهنة بهذا الدُّعاء: "إدعموا بيت نفسي المتداعي. ورمِّموه بصناعةٍ دقيقة إلهيّة. يا أعمدةً بهيّةً للكنيسة تُجمِّلها بعقائد الإيمان". وباللَّحن السَّادس أيضاً نجد: "أيُّها الرُّسل، إنَّ الرُّوح بحلوله الرَّهيب عليكم. سبك بألسنتكم النَّاس المسحوقين بالخطيئة كما في بودقة. وصاغهم بكم صياغةً جديدة للحياة".
نكتفي بهذا القدر، مع العلم أن أناشيد أعياد القدِّيسين، فردوسٌ روحيّ يحمل أثمار الفضائل المسيحيَّة. ونترك لتقوى إخوتنا الأساقفة، وأبنائنا الكهنة، المجال أن يكتشفوا المزيد من صفات الكاهن، وواجباته، ومهامه، ومستلزمات خدمته الكهنوتيَّة، والتوجّهات الرُّوحيَّة والنُّسكيَّة، من خلال الصَّلوات الطَّقسيَّة اليوميَّة، في أعياد القدِّيسين والقدِّيسات والشُّهداء... إنَّها زاخرة بالشوق إلى المسيح، والتمثّل به، والتعلُّق به، والجهاد في سبيله. وفيها دعواتٌ متكرِّرة إلى ممارسة الفضائل والتَّطويبات الإنجيليَّة، والخدمة والعطاء والتَّضحية، وبذل الذَّات، ومحبَّة الفقراء والمرضى والمتألِّمين، وكلِّ نفسٍ مسيحيَّةٍ حزينة محتاجة إلى رحمة الله ومحبَّته وعنايته. حقَّاً إنَّ صلواتنا الطَّقسيَّة، هي المرشد الرُّوحي الشَّخصي اليومي، الذي يساند ضعفنا، ويرشد خطواتنا في سبيل إتمام واجبات دعوتنا الكهنوتيَّة المقدَّسة.

 

روحانيَّة الكاهن في رتبة الرِّسامات المقدَّسة

رُتَب الرِّسامات المقدَّسة، برنامج عمل كهنوتي متخصِّص، يشمل مختلف خدمات الكاهن، وصفاته الرُّوحيَّة الضروريَّة، لخدمة شعب الله والمجتمع.
في رتبة رسامة القارئ يُصلِّي الرَّاسم لأجله، طالباً له وقائلاً :"إنتخب عبدك وقدِّسه. إمنحه أن يدرس ويقرأ أقوالك الإلهيَّة بكلِّ حكمةٍ وفهم، واحفظه في سيرةٍ لا عيبَ فيها".
وفي رتبة رسامة الشمَّاس المساعد (الإيبوذياكون) يُصلِّي الرَّاسم لأجله بهذه العبارات: "إحفظ عبدك في كلِّ شيىء غيرَ ملوم. إمنحه أن يُحبَّ جمال بيتك، ويقف أمام أبواب هيكل قُدسِكَ، ويُضيىء مصباح مسكن مجدك. أغرسه في كنيستك المقدَّسة مثل زيتونةٍ مثمرة، ليُثمر ثمر البِرّ. أوضحه في وقت حضورك عبداً كاملاً، ليتمتّع بجائزة الذين أرضوك".
وفي رتبة رسامة الشمَّاس الإنجيلي، نجد هذه الصِّفات المطلوبة من الكاهن: "أن يحمل سرّ الإيمان بضميرٍ نقيٍّ. أن يدبِّر مهام الدَّرجة الممنوحة له. وأظهره عبداً كاملاً. إملأه من كمال الإيمان والمحبّة والقوَّة والقداسة. بحلول الرُّوح القدس المحيي".
صلوات رتبة الرِّسامة الكهنوتيّة هي برنامج روحي راعوي لخدمة الكاهن. إنَّه يتقبَّلُ بدايةً نعمة الرُّوح القدس العظيمة. فهي "النِّعمة الإلهيَّة التي تشفي المرضى وتكمِّل النَّاقصين". وهي كفيلة السِّيرة النَّقية والإيمان الثابت، بحيث يكون الكاهن عبداً كاملاً مُرضياً الله في كلِّ شيىء، سالكاً سلوكاً لائقاً بالكرامة الكهنوتيَّة العظيمة.
وفي صلاةٍ أخرى يطلب الأسقف الرَّاسم للكاهن هذه النِّعَم والمواهب قائلاً: "إملأ عبدك الذي ارتضيت بأن يدخل في الدَّرجة الكهنوتيَّة من موهبة روحك القدُّوس، لكي يصير أهلاً لأن يقف بلا عيبٍ أمام مذبحك. ويكرز بإنجيل ملكوتك. ويخدم كلمة حقِّك. ويُقدِّم لك قرابين وذبائح روحيَّة. ويجدّد شعبك بنعمة المعموديَّة. حتى يلاقي هو أيضاً ابنك الوحيد إلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح في مجيئه الثاني. وينال من لدن صلاحك أجرة التَّدبير الحسن، في ما يختصُّ بدرجة الكهنوت".
وما أجمل الصَّلوات التي ترافق الرِّسامة الأسقفيَّة. إنَّها حقَّاً برنامج روحي إداري أسراري راعوي نسكيّ، ومدرسة كمال وقداسة. وهذه هي الأدعية التي يرفعها البطريرك الرَّاسم ومعاونوه لأجل الأسقف الجديد: "شدِّد بحلول روحك القدُّوس، وقوَّته، ونعمته هذا الأسقف المنتخَب. إنَّه يدخل تحت نير إنجيلك، وفي كرامة رئاسة الكهنوت. قوِّه كما قوَّيت رسلك القدِّيسين والأنبياء، وكما مسحت الملوك، وقدَّستَ رؤساء الكهنة. أظهر رئاسته خاليةً من كلِّ عيب، مزيَّنةً بكلِّ وقار. إجعله قدِّيساً ليستحقَّ أن يتضرَّع لأجل خلاص شعبك، فتصغي إليه".
وفي الصَّلاة اللاحقة، نجد مجموعةً أخرى من الصِّفات والفضائل والتَّوجيهات والأدعية.
"إجعل هذا المرتسم أن يكون قيِّماً على نعمة رئاسة الكهنوت. إجعله يقتدي بك أيُّها الرَّاعي الحقيقي، باذلاً نفسه عن خرافك. إجعله يا رب مرشداً للعميان، نوراً للذين في الظَّلام، مؤدّبًا للجُّهّال، معلِّماً للأحداث، مصباحاً للعالم، يُثقِّفُ النُّفوس المؤتمن عليها في الحياة الحاضرة. أعطه أن يقف أمام مذبحك بلا خزي، وينال الأجر العظيم الذي أعددته للمجاهدين في تعليم إنجيلك".
وفي تسليم الراسم العصا الرعائية للأسقف المرتسم جديداً يقول له:" خُذْ هذه العصا لترعى بها رعيَّة المسيح التي اؤتمنتَ عليها. ولتكن لك نحو الطَّائعين عصا رعايةٍ وحماية. وللعُصاة عصا إرشادٍ وتقويم (أو عصا إرهاب وتأديب بحسب النصّ القديم).
إنَّنا نعتبر هذه الصَّلوات، أساساً لكلِّ الوثائق، التي تتعلّق برسالة الكاهن في كلِّ درجات الكهنوت، وقد سمعناها يوم رسامتنا المقدَّسة. فلتكن موضوع تأمُّلنا في هذا العام، ولتكن مرجعًا روحيًّا في رياضاتنا وتأمّلاتنا، في سموِّ خدمتنا الكهنوتيَّة المقدَّسة.

 

القدِّيس جان ماري فياني: كاهن مثالي
 
كلُّنا نعرف أموراً كثيرة عن هذا القدِّيس. إنَّه شفيع عام الكاهن الذي نحتفل به في ذكرى 150 سنة على انتقاله إلى الكاهن العظيم سيِّدنا يسوع المسيح.
أكتفي بالإشارة إلى بعض ملامح حياته البطوليَّة، وبسرد بعضٍ من أقواله المأثورة عن الكهنوت:
تردَّد كثيراً في قبول الرِّسامة الكهنوتيَّة، بسبب عظمة هذا السِّرّ قائلاً: "كم عظيمٌ هو الكاهن! لن نفهم حقيقته إلاَّ في السَّماء. لو استطاع أحدٌ فهمه على الأرض لمات، لا من الخوف بل من الحبّ".
وقال في أهميَّة الحياة الرُّوحيَّة: "إنَّ الكارثة التي تحلُّ بنا نحن كهنة الرَّعايا، هو ضعف الحياة الرُّوحيَّة". ويقول: "إذا أحببنا الرَّبّ من كلِّ نفسنا وروحنا وقلبنا سننعم بالسَّلام والفرح. إبحثوا عن الصَّداقة مع الرَّبّ، تجدوا السَّعادة. الإنسان فقير، إنَّه يحتاج أن يطلب كلّ شيء من الرَّبّ. بدون الكاهن، موت المسيح وآلامه لا ينفعان شيئاً. وعلى الكاهن أن يكون متَّشحاً بالرُّوح القدس مثل ثوبه".
ويقول: "إنَّ الأعمال الصَّالحة لا تساوي ذبيحة القدَّاس، لأنَّها أعمال بشريَّة. في حين أنَّ القدَّاس هو عمل الله". وأصبحت الكنيسة بيته، وكان يدخل الكنيسة قبل الفجر. ولا يغادرها إلا مساءً بعد صلاة السَّلام الملائكي. هناك كان على الجميع أن يُفتِّشوا عنه عندما كانوا يحتاجون إليه. وكان مواظباً على زيارة المرضى وعامَّة أبناء الرَّعيَّة. وكان يقول : "أتركوا الرَّعيَّة بدون كاهن لمدَّة عشرين سنة، فسوف تعبد الحيوانات... الكاهن ليس كاهناً لأجل ذاته، إنَّما من أجلكم أنتم".
وكان يقول: "إلهي! أعطني ارتداد رعيَّتي". وكان يقول: "إنَّ سبب الرَّخاوة الرُّوحيَّة لدى الكاهن هو أنَّه لا يولي القدَّاس أهميَّته. يا إلهي! كم نأسف على كاهن يحتفل بالقدَّاس كما لو كان يقوم بعملٍ إعتيادي".
"وكان غنيَّاً ليُعطي الفقراء، وكان فقيراً جدَّاً مع ذاته. وكان يقول: أُعطي كلَّ شيءٍ ولا أُبقي شيئاً. وكان يقول للفقراء عندما كان فارغ اليدَين: "اليوم أنا فقيرٌ مثلكم. وكان يقول: "لم أعدْ أملك شيئاً. فالله يمكنه أن يُناديني ساعة يشاء".
وما أجمل صلاته الكهنوتيَّة اليوميَّة: "إنَّني أُحبُّك يا إلهي. وأمنيتي الوحيدة هي أن أحبَّك حتَّى النَّفس الأخير من حياتي. إنَّني أُحبُّك يا إلهي أنت الكلِّيُّ المحبَّة. وأُفضِّلُ أن أموت وأنا أُحبُّك من أن أعيش بدون محبَّتك. إنَّني أُحبُّك يا إلهي. والنِّعمة الوحيدة التي أطلبها منك، هو أن أحبَّك مدى الأبديَّة. يا إلهي! إذا عجزت شفتاي أن تقولا لك كلَّ لحظةٍ أنَّني أُحبُّك أريد أن يقول لك قلبي إنَّني أُحبُّك مع كلِّ نَفَسٍ من أنفاسي".
وكان يقول: "إنَّ أكبر كنزٍ يُعطيه الله لرعيَّةٍ هو الرَّاعي الصَّالح، الرَّاعي الذي يكون حسب قلب الله. لا بل هو أثمن عطايا الرَّحمة الإلهيَّة". "على الكاهن أن يكون رجل الفرح والأمل... وعندما نرى جرسيَّة كنيسة، يجب أن يخفق قلبنا من الفرح، كما يخفق قلب عروس ترى سطح بيت عريسها. وأيضاً: عندما يُمسك الكاهن القربان المقدَّس بيده، عليه أن يمتلئ فرحاً يُشبه فرح الرُّسل عندما أبصروا الرَّبَّ بعد القيامة".
وكان يقول لأمِّه في طفولته: "لو كنتُ كاهناً، لكنتُ عملتُ لأربح نفوساً كثيرةً لله". ولما أصبح كاهناً كان يبذل نفسه عن رعيَّته، ويقضي يوميَّاً 16 ساعة في كرسي الاعتراف، يُرشد ويعظ ويوجِّه قلوب التائبين إلى الله.
هذه المعلومات والأقوال والأمثال من حياة خوري آرس، نجدها في كتابٍ عنه للخوري برنار نوده، المطبوع عام 2000.

 


كاهن مثالي من شرقنا: خادم الله الأب بشارة أبو مراد المخلِّصي
 
نفتخر أن نجد في خادم الله الأب بشارة أبو مراد مثالاً شرقيَّاً للكاهن الرَّاهب وخادم الرَّعيَّة المثالي. يصعب علينا أن نحذو حذوه. ومع ذلك فإنَّ المثل الصَّالح من شأنه أن يُذكيَ في قلوبنا أساقفة وكهنة ومكرَّسين التَّوق إلى القداسة.
نُحيل إلى سيرته الجميلة التي فيها الكثير من "الزهيرات" التي نجدها في حياة آباء البرِّيَّة القدامى، وسيَر القدِّيسين على مدى تاريخ الكنيسة، التي لأجل ذلك تُدعى مقدَّسة، وهي مكان عيش القداسة.
سعى الأب بشارة وجاهد كثيراً لكي يدخل الرَّهبانيَّة المخلِّصيَّة، ولكنَّه لم يقبل الرِّسامة الكهنوتيَّة إلا بأمر الطَّاعة، قائلاً: "أنا ما جئتُ إلى الرَّهبانيَّة إلاَّ لأُخلِّص نفسي، لا لكي أرتسم كاهناً".
تميَّزت حياته بالاماتة ترافقه طيلة حياته. وكذلك الصَّوم، في أيَّام الصِّيام وخارجه. ويُسخِّر الإماتة لخدمة الفقراء. وبالحقيقة يمكننا أن نقول إنَّ الاماتة هي خبز القداسة اليومي! وهذا ما نراه في سيَر جميع القدِّيسين.
من أقواله المأثورة: "لنفتح قلبنا لإخوتنا الفقراء، يفتح لنا يسوع المسيح باب السَّماء". وأيضاً: "الفقير ينقصه بعض الأشياء، أمَّا الغني فينقصه كلُّ شيء". ويقول: "إنِّي مستعدٌّ مع أبناء رعيَّتي مثل فاعل يعمل لبناء بيت الله". ويقول: "لا شيء يقهر الشيطان، ويجعلك تغلبه، مثل الاعتراف والصَّلاة".
وكان شعار حياته الكهنوتيَّة، قول حزقيال النَّبيّ: "إنِّي أقمتك رقيباً على هذا الشعب. وكلُّ نفسٍ تهلك، أطلب نفسك عوضاً منها" (حزقيال 17:3).
والجميل أن نكتشف تشابهاً كبيراً جدَّاً بين حياة الأب بشارة وخوري آرس. وهذا ما تحققناه ونحن نُطالع مواعظ قداسة البابا عن خوري آرس، ونُقابلها بما نعرفه عن حياة الأب بشارة! وهكذا نتحقَّق أنَّ القدِّيسين يتشابهون، لأنَّهم جميعاً تلاميذٌ في مدرسة واحدة، مدرسة يسوع، ومدرسة إنجيله السَّماوي المقدَّس.

 

صورة الكاهن في القانون الكنسي
 

يظنُّ البعض أنَّ القانون الكنسي مادَّة جافَّة، تُعبِّرُ عن ذهنيّة قانونيّة قاسية. ومع ذلك فإنَّ القانون يستند إلى اللاهوت الكنسي، وهو نتيجة خبرات كنسيّة عمليّة عبر تاريخ الكنيسة. وبما أنَّ الكنيسة جماعة، فهي بحاجة إلى نظامٍ يسوسها، الرُّعاة والرَّعيّة.
من جهةٍ أخرى، نرى في القانون الكنسي موجزاً لهويَّة الكاهن وحياته وواجباته وحقوقه. وهذا مهمّ في حياة الكاهن وخدمته. فيعرف أنَّ عليه أن يقوم بواجبات دعوته الكهنوتيّة. وهي ليست مجرَّد نصائح أو توجيهات، بل هي حقَّاً واجبات يُحاسب عليها أمام الكنيسة، وأمام ضميره، وأمام الله. وهي ليست مجرَّد خيارات أو تمنيَّات أو ?قتراحات.
كما أنَّنا نجد أساساً وصدىً لهذه القوانين في روحانيَّة الإنجيل، وفي أعمال الرُّسل، وحياة الكنيسة الأولى، وفي الرَّسائل، بخاصَّة رسائل بولس الرَّسول.
ولهذا نرى من المناسب أن نستعرض باختصار مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، وهي مهمَّة جدَّاً للكاهن، وأيضاً للرَّعيّة.

 
هويَّة الكاهن
ق. 323
البند 1 - الإكليريكيُّون، ويُطلق عليهـم أيضًا اسم خدّام الأقداس، هم مؤمنون تختارهم السُّلطة الكنسيَّة المختصَّة، وبموهبة الرُّوح القدس التي ينالونها في الرِّسامة المقدَّسة، يُنتدبون لكي يكونوا بمشاركتهم في رسالة المسيح الرَّاعي وسلطانه، خدّام الكنيسة.
البند 2 - بفعل الرِّسامة المقدَّسة، يُميَّز الإكليريكيُّون، بوضعٍ إلـهيّ، عن سائر المؤمنين.
ق. 324
إنَّ الإكليريكيِّين المرتـبط بعضهم ببعض بالشـركة في الرِّئاسـة بدرجاتها، أي المقامين في درجات مختلفة، يشتركون، بطرقٍ متنوِّعة، في خدمة كنسيَّة واحدة من وضعٍ إلهيّ.
ق. 325
ينقسم الإكليريكيُّون، بالنَّظر إلى الرِّسامة المقدَّسة، إلى أساقفة وكهنة وشمامسة إنجيليِّين.
ق. 326
يصيرُ الإكليريكيُّون في الدَّرجات الكهنوتيّة بالرِّسـامة المقدَّسة نفسها؛ لكن لا يسعهم أن يمارسوا سلطانهم إلاّ وفقـًا للقانون.

تنشئة الكهنة
ق. 328
من حقِّ الكنيسة وواجباتها الخاصّة، تنشئة الإكليريكيِّين وخدّامها الآخرين؛ وهي تمارس هذا الواجب على وجهٍ خاصّ وجادّ، لدى إنشاء الإكليريكيّات وإدارتها.
ق. 329
البند 1 - إنَّ مهمَّة تـعزيز الدَّعوات، لا سيَّما لـلخــدمـات المقدَّسة، تعود إلى كلِّ الجماعة المسيحيّة التي عليها، بناء ً على ?شتراكها في المسؤوليَّة، الحرص على ?حتياجات خدمة الكنيسة بأسرها:
(1) على الآباء والمعلّمين وغيرهم، ممَّن هم في طليعة المربِّين على الحياة المسيحيَّة، أن يُعنَوا بإنعاش العائلات والمدارس بالرُّوح الإنجيليَّة، لكي يتسنّى للأطفال والشبَّان، حرّيَّة الإصغاء إلى الرَّبّ الذي يناديهم بالرُّوح القدس، ويسارعوا إلى الاستجابة إليه؛
(2) على الإكليروس، وفي مقدِّمتهم الرُّعاة، أن يُعنَوا باكتشاف الدَّعوات وتعزيزها بين الفتيان أو غيرهم، بما في ذلك المتقدّمون في السِّن؛
(3) على الأسقف الأبرشي بنوعٍ خاصّ، بالتَّعاون مع غيره من الرُّؤساء الكنسيِّين، أن يحرِّض قطيعه، وينسّق مبادراته، في سبيل الدَّعوات.
ق. 352
البند 2 ينبـغي تنشـئة الطَّلبة أوَّلاً في فنّ التعـليم المسـيحي والوعظ،والاحتفالات الطَّقسيّة،وإدارة الرَّعيّة، والحوار التبشيري مع غير المؤمنين، أو غير المسيحيِّن، أو المؤمنين الفاترين، والرِّسالة الاجتماعيّة ووسائل الاتصال الإجتماعي، بدون إهمال الموادّ المساعدة، كعلم النَّفس، وعلم الاجتماع الرَّعوي.
ق. 353
يجب أن تُنظّم، وفقاً للشَّرع الخاصّ، تمارين واختبارات تساعد على توطيد التكوين لاسيَّما الرَّعوي، كالخدمة الاجتماعيّة أو الخيريّة والتَّعليم المسيحي، وبنوعٍ خاص دورة رعويّة في أثناء التكوين الفلسفي ¬اللاهوتي، ودورة شمَّاسيّة قبل الرِّسامة الكهنوتيّة.

حقوق الكهنة وواجباتهم
ق. 367
واجب الإكليروس الأوّل، هو تبشـير الجميع بملكوت الله، وإظهار محبّة الله للبشر، في خدمة الكلمة والأسرارالمقدّسة، بل في حياتهم بأسرها، ليحبَّ الجميع بعضهم بعضاً والله تعالى فوق كلِّ شيء، فيُبنَون ويَنمون جميعاً في جسد المسيح الذي هو الكنيسة.
ق. 368
الإكليريكيُّون مُلزَمون بنوعٍ خاصّ بالكمال الذي دعا المسيح تلاميذه إليه، لأنَّهم بالرِّسامة المقدَّسة تكرّسوا لله تكريساً جديداً، ليصبحوا بين يدَيّ المسيح الكاهن الأبدي، أداةً أصلح لخدمة شعب الله، ويكونوا في الوقت نفسه قُدوةً للرَّعيّة.
ق. 369
البند 1 ¬على الإكليريكيِّين أن يعكفوا يوميّاً على مطالعـة كلمة الله والتَّأمُّل فيها، ليصبحوا بإصغائهم وتنبُّههم بأمانةٍ للمسيح، خدّاماً حقيقيّين للكرازة؛ وأن يواظبوا على الصَّلاة والاحتفالات الطَّقسيّة، لا سيَّما التَّعبُّد لسرِّ القربان الأقدس؛ ويفحصوا ضميرهم كلَّ يوم ويَقبَلوا بكثرةٍ سرَّ التَّوبة؛ ويُكرِّموا القدِّيسة مريم الدَّائمة البتوليّة أمّ الله، ويلتمسوا منها نعمة التَّشبُّه ب?بنها، ويُتمِّموا سائر الممارسات التَّقويّة الخاصّة بكنيستهم المتمتّعة بحكمٍ ذاتيّ.
البند 2 ¬ عليهم أن يُولوا الإرشاد الرُّوحيّ بالغ التَّقدير، ويتفرّغوا للخلوات الرُّوحيّة في الأوقات المقرّرة، وفقاً لأحكام الشَّرع الخاصّ.
ق. 370
على الإكليروس واجبٌ خاصّ في إبداء الاحترام والطَّاعة للحبر الرُّوماني والبطريرك والأسقف الأبرشي.
ق. 371
البند 1 ¬ من حقّ الإكليريكيِّين أن ينالوا من أسقفهم الأبرشي، ¬بعد الوفاء بما يقتضيه الشَّرع¬، وظيفةً ما، أو خدمةً، أو مهمّة يمارسونها لخير الكنيسة.
البند 2 ¬ على الإكليريكيِّين أن يقـبـلوا ويتـمّموا بأمانةٍ، الوظيفة أو الخدمة أو المهمّة التي أسندتها إليهم السُّلطة المختصّة، كلّما دعت إلى ذلك بحكم هذه السُّلطة احتياجات الكنيسة.
ق. 372
البند 1 بعد إتمام التنشئة اللازمة للدَّرجات المقدَّسة، لا ينقطعْ الإكليريكيُّون عن العكوف على العلوم الدِّينيَّة، لا بل عليهم أن يسعَوا إلى المزيد من التعمُّق والتحديث في معلوماتهم و?ستخدامها، عن طريق دراسات تكوينيّة يعتمدها رئيسهم الكنسي.
البند 2 ¬ عليهم أن يشـتـركوا في النَّـدوات التي يـراها رئيـسهم الكنسي ملائمة لتنمية العلوم الدِّينيَّة، والشؤون الرَّعويَّة.
البند 3 ¬لا يُهمِلوا أيضًا أن يُحصِّلوا من العلوم المدنيّة لاسيّما أوثقها صلةَ بالعلوم الدِّينيَّة، قدراً يليق بالمثقّفين من الناس.
ق. 373
إنَّ التبتُّل الـذي يـعتـنقه الإكليروس من أجل ملكوت السَّماوات ويلائم الكهنوت حقّاً،يجب أن يلقى أبلغ التقدير في كلِّ مكان، على ما ورد في تقليد الكنيسة بأسرها؛ وكذلك يجب أن تـُحاط بالإكرام حالة الإكليريكيِّين المرتبطين بالزَّواج، وقد أيّدتها ممارسة الكنيسة الأولى، والكنائس الشَّرقيّة على مرِّ العصور.
ق. 374
على الإكليريكيِّين المتبتِّـلين منـهـم والمتزوجين، أن يتألّقوا ببهاء العفّة؛ وعلى الشَّرع الخاص أن يقرّر الوسائل المناسبة التي يجب اتخاذها لبلوغ هذا الهدف.
ق. 375
على الإكليريكيِّين المتزوّجين، أن يُقدِّموا لسائر المؤمنين، مثالاً أعلى في سيرة حياتهم العائليَّة، وتربية أولادهم.
ق. 376
الحياة المشتركة بين الإكليريكيِّين المتبتّلين الجديرة بالثناء، يجب تعزيزها قدر المستطاع، ليساعد بعضهم بعضا فيتنمية حياتهم الروحية والثقافية ويتمكّنوا من التعاون في الخدمة على وجهٍ أصلح.
ق. 377
على جمـيع الإكليريكيِّين أن يحتـفـلوا بالصَّلوات الطَّقسيّة وفقاً للشَّرع الخاصّ بكنيستهم المتمتِّعة بحكمٍ ذاتيّ.
ق. 378
على الإكليريكيِّين أن يحتفلوا بكثرة، وفقاً للشَّرع الخـاص،بالقدَّاس الإلهي، لا سيّما في أيّام الآحاد والأعياد الإلزاميَّة؛ بل يجدر ويحسن الاحتفال به كلَّ يوم.
ق. 379
على الإكليريكيِّين أن يكونـوا متَّحدين برباط المحبّة مع إخوتهم من أيّة كنيسة متمتِّعة بحكمٍ ذاتي، ليتبارَوا جميعاً في سبيل غايةٍ واحدة، ألا وهي بناء جسد المسيح، ولذلك، فأيًّا كان وضعهم، ومهما اختلفت الوظائف التي يؤدّونها، عليهم أن يتعاونوا ويساعدبعضهم بعضاً.
ق380
على جميع الإكليريكيِّين أن يحرصوا على تشجيع الدَّعوات إلى الخدمات المقّدسة و?عتناق الحياة في مؤسّسات الحياة المكرّسة، لا بالوعظ والتَّعليم المسيحي والوسائل الأخرى الملائمة فحسب، بل قبل كلِّ شيء بشهادة الحياة والخدمة.
ق.381
البند 1- ينبغي للإكليريكيِّين أن يكونوا بغَيرتهم الرَّسـوليَّة المضطرمة، قُدوةً للجميع في أعمال الخير والضيافة، لا سيَّما تجاه المرضى والمظلومين والمضطهدين والمنفيِّين واللاجئين.
البند 2 -
يجب على الإكليريكيِّين، ما لم يعقهـم عائـق صوابـي،أن يـقدّموا للمؤمنين المساعدة منخيرات الكنيسة الرُّوحيَّة،لا سيّما بكلمة الله والأسرار المقدَّسة،كلّما طلبوا [ذلك] على وجهٍ ملائم، وبالاستعداد الواجب، وليس هناك ما يمنعهم شرعاً من قبول الأسرار.
البند 3- كرامة العلمانيِّين وما لهم من دورٍ خـاصّ في رسـالة الكنيـسة،على الإكليريكيِّين أن يعترفوا بهما ويدعموهما، مقدِّرين بنوعٍ خاصّ، مواهب العلمانيِّين المتنوّعة، مع توجيه اختصاصاتهم وخبراتهم لخير الكنيسة، لاسيّما بالطُّرق الواردة في الشَّرع.
ق. 384
البند 1 -على الإكليريكيِّين أن يسـعوا بصفتهم خدّام مصالحة الجميع في محبّة المسيح، إلى تعزيزالسَّلام والوحدة والوِفاق القائم على العدالة بين النَّاس.
البند 2 ¬ لا يكن لهـم دورٌ فـعّال في الأحزاب السياسيّة، ولا في إدارة الاتحادات النقابيّة، ما لم تستوجب ذلك حماية حقوق الكنيسة، أو النُّهوض بالخير العام، وذلك بحكم الأسقف الأبرشي، أو بموجب الشَّرع الخاصّ، بحكم البطريرك أو أيّة سلطة أخرى.
ق. 385
البند 1-على الإكليريكيِّين أن يسعوا ممتلئين بروح فقر المسيح، إلى أن يكونوا ببساطة سيرتهم شهود الخيرات السَّماويَّة أمام العالم، ويرصدوا أموالهم بنظرة روحيّة لأغراض سليمة؛ أمّا الأموال التي يحصلون عليها لدى ممارسة الوظيفة أو الخدمة أو المهمّة الكنسيَّة، فبعد أن يوفّروا منها ما يلزم لمعيشتهم اللائقة والقيام بواجبات حالتهم، فليوزّعوها ويشاركوا بها في الأعمال الرَّسوليّة والخيريّة.

 

روحانيَّة الكاهن اليوم بين الماضي والحاضر
 

يرسم قداسة البابا بندكتوس السَّادس عشر بتفصيل في مواعظه حول عام الكاهن روحانيَّة القدِّيس يوحنَّا ماري فيانِّي خوري آرس. ربَّما يرى البعض في خوري آرس صورة قديمة لكاهن الماضي. كاهن الألفيَّة الثالثة يحتاج إلى نموذج جديد عصري . بالطَّبع هذا مطلب مُحقّ. ولكن قوَّة الإنجيل والكنيسة تكمنان في أن تكون تعاليم السَّيِّد المسيح والكنيسة تعاليم تتطابق ومتطلّبات العصر وتطوّرات المجتمع. وهذا القول نفسه ينطبق على روحانيَّة الأب بشارة أبو مراد الذي هو كاهن رعيَّة من بلدنا ومن كنيستنا. وقد سبق أن وضعنا خطوطاً عريضة لروحانيته.
مع ذلك فإنَّ هناك ثوابت إنجيليَّة وروحيَّة وراعويَّة وكنسيَّة لا يمكن إغفالها. وهي تبقى القواعد الأساسيَّة التي ترتكز عليها روحانيَّة كاهن الأمس واليوم والمستقبل، بالرَّغم من ظروف الحياة المعاصرة، وعقليَّة كهنة اليوم، وأوضاع الشعب المتنوِّعة والمتغيِّرة.
وقد شرح ذلك بطريقةٍ رائعة، خادم الله البابا يوحنَّا بولس الثَّاني، في الإرشاد الرَّسولي "أُعطيكم رعاة"، تحت هذا العنوان:

 

التنشئة الكهنوتيّة في مواجهة التَّحدِّيات في بداية الألف الثالث
 

"كلُّ حبرٍ يؤخذ من بين النَّاس، ويُقام لدى الله من أجل النَّاس" (عبرانيِّين 1:5)، إنَّ الرِّسالة إلى العبرانيِّين تؤكِّد بوضوحٍ إنسانيّة خادم الله، فهو من الناس ولخدمة الناس، على مثال يسوع المسيح "الذي امتُحِن في كلِّ شيء مثلنا ما عدا الخطيئة" (عبرانيِّين 15:4)، فالله يدعو كهنته من أوساطٍ بشريّة وكنسيّة معيَّنة، تمهرهم بطابع لا مفرَّ منه، وإليها يُبعثون لخدمة إنجيل المسيح.
"للكاهن ملامح جوهريّة لا تتبدَّل: كاهن الغد عليه أن يتشبَّه بالمسيح، مثله مثل كاهن اليوم. فيسوع قد قدَّم لنا من ذاته في غضون حياته الأرضيّة، النَّموذج النِّهائي للكاهن، راسماً ملامح كهنوتٍ، كان الرُّسل أوَّل من تولّوه. هذا الكهنوت مدعو إلى أن يدوم، ويستمرّ بلا انقطاع، على مدى التَّاريخ ومراحله. بهذا المعنى كاهن الألفيَّة الثالثة، مدعو إلى أن يتابع خطى الكهنة الذين أنعشوا حياة الكنيسة في الألفين الماضيَين. ستبقى الدَّعوة الكهنوتيّة نداءً إلى عيش كهنوت المسيح الواحد الدَّائم، ولكن في المقابل يجب أن تتكيَّف حياة الكاهن وخدمته، وفقاً لجميع الأوساط الحياتيّة... وبالتالي علينا أن نسعى إلى الانفتاح، قدر المستطاع، للرُّوح القدس وأنواره السَّامية، لنكتشف توجُّهات المجتمع المعاصر، ونُلمَّ بأعماق ما لديه من حاجاتٍ روحيَّة، ونستوضح أهمَّ ما يجب أن يلتزم به من واجباتٍ محدّدة، والأساليب الرَّاعويَّة التي يجب اعتمادها، لكي نلبِّي بطريقةٍ ملائمة ترقُّباته الإنسانيّة. (الإرشاد الرَّسولي "أُعطيكم رعاة"، البابا يوحنَّا بولس الثاني، رقم 5).
أحبُّ أن أستعرض بعض هذه الثوابت ( Données de base) وقد وردت في الإنجيل المقدَّس، ورسائل بولس، والرُّسل، ووثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، والرَّسائل البابويَّة. وقد أشرنا إليها سابقاً. وقد ورد الكثير منها في مجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيَّة كما أوردنا ذلك سابقاً.


من هذه الثوابت

ليترجيا القدَّاس الإلهي اليوميَّة، وهذا ينطبق خاصّةً على الرَّعايا (الشَّرع الخاصّ بند 58). ولا شكَّ أنَّ خوري آرس كان يُقدِّسُ يوميّاً أمام مجموعةٍ صغيرةٍ من أبناء وبنات رعيَّته. ومهما قلّ عدد المشاركين في اللِّيترجيا الصباحيَّة الأسبوعيَّة أو سواها، فلهؤلاء الحقّ في غذاء الخبز السَّماوي وفي عظةٍ صغيرة. وربَّما كان هؤلاء النَّواة الرُّوحيَّة التي تردُّ الشرَّ عن الكاهن ورعيَّته، وتُبقي شعلة الإيمان مضيئةً في الرَّعيَّة.
وهذا القول ينطبق على التَّأمُّل الرُّوحي الصَّباحي اليومي الذي يسبق اللِّيترجيا الإلهيَّة، أو يكون متابعة لصلاة الشُّكر بعد المناولة. وللأسف نرى أنَّ صلوات الشُّكر قلّما تُقال ولو جزئيَّاً بعد القدَّاس اليومي.
وماذا نقول عن أهميَّة الصَّلاة الطَّقسيَّة اليوميَّة، وقد أصبحت أغنى وأكثر دسماً روحيّاً بسبب الكتب الطَّقسيَّة الجديدة التي أنعم الله علينا بنعمة تهيئتها ونشرها بين السَّنوات (1992 – 2001) وهي في متناول كلّ كاهن لا بل كلّ مؤمن. ولا يجوز أن تخلو غرفة الكاهن ومكتبته من كلِّ أجزائها.
والقانون الكنسي في الشَّرع الخاصّ يشير بوضوح إلى ما نسمِّيه أجزاء "صلاة الفرض" اليوميّة الواجب القيام بها وهي صلوات السَّحر، وساعة من السَّاعات، والغروب، والنَّوم الصُّغرى. (الشَّرع الخاصّ بند 57).
لا بل الصَّلاة الطَّقسيَّة هي الغذاء الرُّوحي اليومي إلى جانب اللِّيترجيا الإلهيّة. وهي القراءة الرُّوحيّة التي يمكننا أن نقول عنها إنَّها تحوي الغذاء الرُّوحي المتكامل العناصر المغذِّية، كما هو الحال في وَصفة الطَّبيب للأطعمة الضروريَّة لأجل توفير الجرعات الحراريَّة اليوميَّة اللازمة لجسم الإنسان. وفي الواقع الصَّلوات الطَّقسيَّة اليوميَّة، في عناصرها الثابتة (أو صلاة السَّواعي)، والمتحرِّكة، في المعزِّي والميناون وكتاب الصَّوم (التريوذي) والفصح (البندكستاري)، هي عصارة روحانيّة الكتاب المقدَّس، تأمُّله آباؤنا وقدّموه مواعظ جميلة لشعبهم وأنشده المنشدون وناظمو التسابيح. فصلواتنا إذاً هي الحاملة إلينا روحانيَّة شرقنا الحبيب: روحانيَّة الآباء القدِّيسين الذين نتباهى بهم. هذه الصَّلوات تُوفّر لنا مراراً عناء مطالعة كتب الآباء والرُّوحانية الشَّرقيَّة، فنجد هذه الكنوز الشَّرقيَّة مسبوكة، سائغة، طيِّبة، سهلة المنال، من خلال صلواتنا الطَّقسيَّة.


 

وسائل الحياة الرُّوحيّة

من المهمّ على جانبٍ كبير أن يكون للكاهن حياته الرُّوحيّة الخاصَّة به، يُنظِّمها ?نطلاقاً من العناصر العامَّة لروحانيّة كلّ كاهن.
وقد وردت توجيهات موجزة وواضحة في وثيقة مجمع الإكليروس بروما. نوردُ منها هذا المقطع:
"هذه الحياة الرُّوحيّة يجب أن تتجسَّد في سيرة كلّ كاهن باللِّيترجيا والصَّلاة الفرديّة ونمط حياته وممارسة الفضائل المسيحيّة التي تُساهم في إخصاب خدمته الكهنوتيّة. اندماجه في المسيح يحتِّم عليه، بطريقةٍ ما، أن يتنشَّق جوّاً من الصَّداقة والأُلفة الشَّخصيّة مع الرَّبّ يسوع، وخدمة الكنيسة جسده التي لا بدَّ للكاهن من أن يُبرهن لها عن حبِّه، بالقيام بواجبات خدمته الرَّاعويّة قياماً مخلصاً لا ثغرة فيه.
"من الضَّروري إذن أن ينظِّم الكاهن برنامج صلاته بحيث يتضمَّن: الاحتفال يوميّاً بالإفخارستيا مع ما ينبغي من الاستعداد لها والشُّكر، الاعتراف المتواتر مع الإسترشاد الرُّوحي الذي ألِفَ ممارسته في الإكليريكيّة، الاحتفال بليترجيا السَّاعات احتفالاً كاملاً وحارّاً وهو من واجباته اليوميّة، محاسبة الضَّمير والتَّأمُّل الذِّهني في صيغته الأصليّة، والقراءة المقدَّسة، فترات مديدة من الصَّمت والنَّجوى الإلهيّة ولا سيّما في الرياضات الرُّوحيّة والخلوات الموسميّة، إكرام العذراء مريم ومنها تلاوة المسبحة، وإقامة درب الصَّليب وسائر التَّمارين التَّقويّة، وقراءة سيَر القدِّيسين المفيدة. (بعض هذه التَّمارين هي خاصَّة بالطَّقس اللاتيني).
"وليجدِّد الكهنة، كلّ سنة في قدَّاس خميس الأسرار، أمام الأسقف ومعه، الوعود التي قطعوها يوم رسامتهم الكهنوتيّة، فيعبِّروا بذلك عن رغبتهم في ولائهم الدَّائم للمسيح.
إنَّ اهتمام الكاهن بحياته الرُّوحيّة يجب أن يحسبه هو نفسه واجباً مفرِحاً، بل حقّاً عليه من حقوق المؤمنين الذين يتَّسمون فيه، بطريقةٍ واعية أو مُضمرة، رجل الله والمرشد ووسيط السَّلام والصَّديق الصَّدوق الحكيم، والدَّليل الأمين الذي يَركُنُ النَّاس إليه في الظُّروف الحرِجة، فيُصيبون عنده ما يحتاجونه من دعمٍ وأمان". (دليل في خدمة الكهنة وحياتهم _ رقم 39).
وأُحبُّ أن أُحيل إخوتي الأساقفة، وأبنائي الكهنة إلى أمرٍ هامّ جدَّاً، ألا وهي التَّنشئة الكهنوتيَّة الدَّائمة. وهي واجب يقع على عاتق الكاهن، وأيضاً على عاتق الأسقف الذي عليه أن يُمارس واجب "المرافقة والمراقبة والمساعدة في هذه التَّنشئة الدَّائمة". وأكتفي بالعناوين الأساسيّة الواردة في "دليل الخدمة الكهنوتيّة" حول التَّنشئة، وهو الفصل الثالث من الدَّليل ويقع في 31 صفحة، وهذه أهمّ العناوين:
- تنشئة دائمة
- تنشئة كاملة
- تنشئة إنسانيّة
- تنشئة روحيَّة
- تنشئة فكريَّة
- تنشئة راعويَّة
- تنشئة تنظيمة
- تنشئة شخصانيّة
لن أُطيل كثيراً في الكلام عن روحانيَّة الكاهن اليوم. فأُحيل إخوتي الأساقفة والكهنة إلى وثيقتَين مهمّتَين صدرتا عن مجمع الإكليروس. الأولى بعنوان "دليل في خدمة الكهنة وحياتهم" ( عام 1994) والثانية بعنوان "الكاهن معلم الكلمة وخادم الأسرار ودليل الجماعة تأهباً للألف المسيحي الثالث" ( عام 1999). وفي هاتَين الوثيقتَين تعليمات دقيقة محدّدة بسيطة واضحة مقتضبة حول لاهوت الكاهن، وروحانيَّة الكهنوت، والخدمة الرَّعوية والأسراريَّة والإداريَّة. وهي مجموعة فصول صغيرة أرى فيها إرشادات عمليَّة. وأنصحُ الكهنة بأن يعودوا إلى هاتَين الوثيقتَين وخصوصاً الأولى لأجل توجيه وتصويب حياتهم الكهنوتيَّة المقدَّسة. أعتبرُ هاتَين الوثيقتَين "مرشداً" روحيّاً خاصّاً للكاهن في متناول يده كلّ يوم، وبخاصَّة لهذا العامّ وللمستقبل أيضاً.
وبهذا السياق أتمنَّى على إخوتي الأساقفة والآباء الرُّؤساء العامِّين، أن يوفِّروا لمكتبة كلّ كاهن من كهنتهم في عام الكاهن، هذه الوثائق الأساسية التالية:
1) "نور الأمم"، المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الكنيسة.
2) "خدمة الكهنة"، المجمع الفاتيكاني الثاني.
3) "التنشئة الكهنوتيَّة"، المجمع الفاتيكاني الثاني.
4) " المؤمنون العلمانيُّون"، إرشاد رسولي للبابا يوحنَّا بولس الثاني، 30/12/1988.
5) "أعطيكم رعاة"، إرشاد رسولي للبابا يوحنَّا بولس الثاني، 25/3/1992.
6) "نور الشرق"، إرشاد رسولي للبابا يوحنَّا بولس الثاني، 2/5/1995.
7) "رجاء جديد للبنان"، إرشاد رسولي للبابا يوحنَّا بولس الثاني، 10/5/1997.
8) "دليل لخدمة الكهنة وحياتهم"، إرشاد من مجمع الإكليروس، 1994
9) "الكاهن، راعي ودليل جماعة الرَّعيّة"، إرشاد من مجمع الإكليروس، 1999
10) وثيقة البطاركة الشَّرقيِّين الكاثوليك حول الكهنوت (عام 2004)
11) مجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيَّة الصَّادرة عام 1990. والشَّرع الخاصّ بكنيستنا.

 

سبيل الصَّلاة الدَّائمة

"سبع مرّاتٍ في النَّهار سبّحتُكَ على أحكامِ عدلِكَ" (مز 118 : 164) عملاً بهذه الآية وضع الآباء القدِّيسون السَّاعات السَّبع أو المواعيد السَّبعة للصَّلاة. وهي فسحات نعيش من خلالها أحداث الخلاص وسرّ المسيح.
بذلكَ نحقق مطلب الصَّلاة الدَّائمة حسب تعليم الإنجيل، وتعليم بولس الرَّسول (1 تس 5: 17). "وهكذا كما يُعلِّم القدِّيس باسيليوس نعيش في جوِّ الصَّلاة ونجمع الصلاةَ إلى العمل، والعمل إلى الصلاة. وهذا يعني أنَّ الحياة كلّها يجب أن تكون صلاة متواصلة. وما نسميه صلاة (أي الصَّلوات السَّبع) ليسَ إلا جزءًا منها" (القدِّيس باسيليوس. العظة الجهاديَّة، 3. مجموعة الآباء اليونانيِّين 31: 877).
وهذا ما يقوله المعلِّم أوريجانُّس: "يصلّي دائماً من يقرن الصلاةَ بالعمل الضَّروري، والعمل الضَّروري بالصَّلاة. تلكَ هي الوسيلةُ الوحيدة التي يمكن معها تأمين إتمام الوصيّة الآمرةِ بالصَّلاة دونَ انقطاع. وبهذا تصبح حياةُ البارّ صلاةً كبرى. وما اعتدنا أن نسمّيه صلاةً يصبح جزءًا منها". (في الصَّلاة 12. مجموعة الآباء اليونانيِّين 11: 45).

 

نصائح عمليّة

ومع التَّشديد على الصَّلاة الطَّقسيَّة في الكتب الطَّقسيَّة، أحبّ أن أسوق بعض نصائح عمليَّة للصَّلاة الدَّائمة، أو بلا ?نقطاع. وأيضاً بشأن الصَّلاة في أثناء السَّفر وعدم توفّر الكتب الطَّقسيَّة في ظروفٍ معيَّنة، أو في المرض إلخ...
أوّلاً لدينا "صلاة يسوع" وهي عبادة شخصيَّة روحيَّة شاعت في شرقنا منذ القرن التَّاسع. نُصلِّي على مسبحة يسوع هذه النَّافذة الرُّوحيّة:"يا يسوع ابن الله الحيّ إرحمني أنا الخاطىء". ويمكن تلاوة ما نحبّ من نوافذ روحيَّة في ظروفٍ مختلفة، في اللَّيل والنَّهار، وفي كلِّ وقت، نُعبِّر فيها عن إيماننا ورجائنا ومحبَّتنا وندامتنا وشكرنا وألمنا وآمالنا وأحزاننا وأفراحنا وهمومنا الخاصَّة والرَّاعويَّة000 ويا حبَّذا لو تعمُّ ممارستها لدى الكهنة، وحتَّى لدى أبناء وبنات الرَّعيّة.
وهناك طرق أخرى للصَّلاة الدَّائمة. منها تعلُّم الصَّلوات الطَّقسيَّة غَيباً. ممارسة الصَّلاة العقليَّة التَّأمليَّة. التوقُّف عند آية أو أخرى من مزمور مفضّل لدينا، وتردادها وإنشادها والتَّأمُّل فيها حسب الظُّروف والأحوال التي يتواجد فيها الكاهن. كما أنَّه من الممكن أن نلجأ في السَّفر إلى بعض الكراريس التي وضعتها اللَّجنة اللِّيترجيَّة للأعياد الكبرى، ولبعض الرُّتَب أو القوانين، مثل قانون الملاك الحارس، ويسوع الحلو، والباراكليسي...
كما يمكن اختزال القسم الأوَّل من أحد مجلَّدات الصَّلوات الطَّقسيَّة، ويسمَّى "كتاب السَّاعات" وهو يوازي الجزء الثابت من السَّواعية الصَّغيرة القديمة. ويقع هذا القسم في حوالي 430 صفحة ويسهل حمله واصطحابه في السَّفر.
وفي صدد هذه التَّوجيهات بشأن الصَّلاة نحبّ أن ننقل "وصية القدِّيس باسيليوس الكبير للكاهن" بخاصَّة بشأن خدمة اللِّيترجيا الإلهيَّة:
"أيُّها الكاهن
إسعَ أن تعمل بحرصٍ وأمانة، مفصِّلاً كلمةَ الحقّ بإحكام.
لا تقفْ للخدمة وفي نفسك حقدٌ على أحد، فيفرَّ المعزِّي بعيدًا.
لا تَدِنْ ولا تخاصمْ أحدًا يوم الخدمة، بل كُنْ مواظبًا في الكنيسة على الصَّلاة والقراءة حتّى يحين وقت الاحتفال بالأسرار الإلهيّة.
قِفْ أمام المذبح المقدَّس بقلبٍ متخشِّع نقيّ، ولا تلتفت البتَّة إلى هذه الجهة أو تلك، بل بالحريّ انتصب بخوفٍ ورعدة أمام الملك السَّماوي.
لا تُسرعْ في الصَّلاة أو تختصرها في سبيل قضاء خدمة عالميّة. ولا تنشغلْ بوجوه الناس، بل وجّه قلبك كلّه إلى الملك المستوي أمامك، والملائكة الماثلين حوله.
كُنْ أهلاً للعمل بالقوانين الشَّريفة، فلا تحتفلْ مع الّذين تمنعك عنهم، بل تبصَّر في حضرة مَنْ أنت واقف، وكيف تخدم الأقداس، ولمن تعطيها.
تذكّر وصيّة السَّيِّد والرُّسل القدِّيسين: "لا تعطوا الأقداس للكلاب، ولا تُلقوا جواهركم أمام الخنازير".
كُنْ متيقِّظًا كي لا تسلِّم ابن الله إلى أيدي غير المستحقّين.
فلا تخجلْ في تلك السَّاعة من ذوي المجد والسُّلطان الأرضيِّين.
بل ناولْ القرابين مستحقِّيها كما تناولتها مجّانًا.
و?منعْها عمّن خالف القوانين الإلهيّة.
إِحرَصْ ألا يمسَّ الأسرار فأرٌ أو ذبابة أو أيّ شيء آخر. وأن لا تكون عرضة للعفونة أو للدُّخان، وأن لا يمسّها الدَّنسون وغير المستحقِّين.
فإذا حفظت هذه النَّصيحة وما إِليها خلّصت نفسك وسامعيك".

 

كاهن الرَّعيَّة والخدمة الرَّعويَّة
 

السَّيِّد المسيح له المجد مثَّل نفسه "بالرَّاعي الصَّالح الذي يبذل نفسه عن الخراف: ويعرف خرافه وخرافه تعرفه وتسمع صوته وتتبعه" (يوحنَّا 10).
الكاهن يُسمَّى أيضاً "راعي". والمؤمنون الموكولون إلى عنايته يُسمّون "رعيَّة" ويُطلب منه أن يعمل ويخدم ويسهر على مثال معلِّمه الرَّاعي الأوَّل السَّيِّد المسيح.
إلى هذا المثل يُشير القدِّيس بولس في أعمال الرُّسل عندما يُخاطب كهنة كنيسة أفسس قائلاً: "إحذروا لأنفسكم ولجميع القطيع الذي أقامكم فيه الرُّوح القدس أساقفة، لترعَوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه الخاصّ" (أعمال الرُّسل 28:20).
أقدس واجبات الكاهن هي الرِّعاية، على مثال يسوع الرَّاعي الصَّالح. إنَّ مثل الرَّاعي الصَّالح الذي قاله يسوع لتلاميذه غنيٌّ بالمعاني الرُّوحيَّة. فالرَّاعي هو الشخص الذي يرعى القطيع. وهذا يقتضي منه أن يكون على اتصالٍ دائم مع الخراف والنِّعاج والغنم. يسير مع القطيع، أمامه وراءَه وحولَه. يُحافظ عليه، يسعى ويركض في طلب الضَّال. وإذا وجده يحمله على منكبَيه ويُعيده إلى الحظيرة. إنَّه يسهر على قطيعه لكي يقيه من كلِّ الأخطار. وإلى هذا ترمز قطعة ثياب المطران التي يلبسها فوق كلِّ ثيابه الأسقفيَّة، وتُسمَّى "أموفوريون"، أي ما يوضع على الكتف. ويُصلِّي المطران لدى ارتدائها قائلاً: "لقد حملت الطَّبيعة الضَّالَّة على منكبَيك أيُّها المسيح، ولمَّا صعدت قدَّمتها إلى الآب".
واجب الرِّعاية مشتركة بين المطران والكهنة معاونيه، وعلى المطران أن يوجِّه كهنته إلى واجباتهم الكهنوتيَّة والرَّعويَّة.

 

هرميَّة الرعاية في الكنيسة
 
المسيح هو رأس الكنيسة. إنّه الأف والياء. وهو أسقف نفوسنا وراعي الكنيسة. وهو الكرمة ونحن الأغصان.
العمل الرَّعوي يتطلَّب أموراً كثيرة تُشكِّل هرميَّة الإدارة والخدمة في الأبرشيَّة والرَّعيَّة، تتضافر كلُّها لأجل إنجاح مسيرة الكنيسة شعب الله، عل هذه الأرض ونحو الحياة الأبديَّة.
من المفيد أن يطَّلع المؤمنون على الخطوط الأساسيَّة في القوانين الكنسيَّة التي تُنظِّم الأبرشيَّة.
لقد ظهرت في 18 تشرين الأوَّل 1990 "مجموعة قوانين الكنائس الشرقيَّة" التي بموجبها تُنظِّم حياة الكنيسة جماعاتٍ وأفراداً.
الرَّئيس الأعلى في كنيستنا هو البطريرك الذي هو "الرَّأس والأب"، وهو يحمل لقباً مثلَّثاً. فهو بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم. وهو بدوره في شركة كنسيَّة كاملة مع قداسة البابا الرُّوماني الرَّئيس الأعلى للكنيسة جمعاء.
على رأس كلِّ أبرشيَّة مطران يسوسها بسلطة تشريعيَّة وتنفيذيَّة وقضائيَّة.
يُشرِّع القانون بشأن الهيئات التي تساعد الأسقف في سياسة الأبرشيَّة، منها خاصَّةً الدَّائرة الأسقفيَّة، وهي تتألَّف من النائب العام الذي يقوم بمهمَّات محدودة وينوب عن المطران لدى غيابه في مسؤولياته كلِّها. ثمَّ رئيس الدِّيوان والمسجِّلون الذين يهتمُّون بمحفوظات الدَّائرة الأبرشيَّة. ثمَّ يأتي القيِّم العام الذي يُشرف على أملاك الأبرشيَّة، تساعده في ذلك لجنة الشؤون الاقتصاديَّة والماليَّة. يُضاف إليهم أمين الصَّندوق والمحاسب وأمين السِّرّ. وهناك قطاع خاصّ يتعلَّق بالقضاء الكنسي والمحاكم.
بالإضافة إلى هؤلاء، يفرض القانون قيام مجالس متنوِّعة، منها المجلس الكهنوتي وهيئة المستشارين الأبرشيِّين. وهي تُساعد الأسقف بمشورتها في الأمور التي تتعلَّق باحتياجات العمل الرِّعائي وخير الأبرشيَّة.
وتتَّسع الحلقة لتطال العلمانيِّين في الكنيسة أعوان الأسقف وكهنته. ولذلك يُنشئ الأسقف في الأبرشيَّة، إذا استدعت ذلك ظروف راعويَّة، مجلساً رعويَّاً، تحت سلطة الأسقف الأبرشي، مهمَّته البحث عمَّا يتعلَّق بالأعمال الرَّعويَّة في الأبرشيَّة.
إلى جانب المجلس الرَّعوي لكلِّ الأبرشيَّة، يمكن إنشاء مجالس رعويَّة في الرَّعايا، خاصَّةً الكبرى منها. وللأسقف أن يضع النِّظام لهذه المجالس ويُحدِّد الأمور التي تعالجها بإشرافه.
ويتكلَّم القانون بإسهاب (في 23 قانوناً) عن الرَّعايا والخوارنة ونوَّاب الخوارنة. ويُشير بوضوح وتفصيل إلى واجبات كاهن الرَّعيَّة في سياسة الرَّعيَّة في كلِّ قطاعاتها.
لقد أشرنا إلى هذه الأمور لكي يكون لدى إخوتنا وأبنائنا وبناتنا فكرة واضحة عن كنيستهم وإدارتها وواجباتهم وحقوقهم. فيُحبُّون هذه الكنيسة ويتعلَّقون بها وينتمون إليها بحبٍّ وأمانة.
يُشرف المطران على خدمة الكهنة في الرَّعايا بالعلاقة الشخصيَّة والاجتماعات واللِّقاءات الخاصَّة وفي المناسبات. كما أنَّه يُساعدهم على القيام بواجباتهم الرَّعويَّة.

 

سجل الرعية العام

يتفرَّع إلى ملفات كثيرة، ليشمل الأبواب الرَّئيسة التي تتعلَّق بحياة الرَّعيَّة وواجبات الكاهن، ونشاطات الرَّعيَّة، تاريخ الرَّعيَّة، أهمّ الأحداث في تاريخها القديم والحديث، أهمّ الإنجازات... هذه هي أهمّ الأبواب التي يجب أن يحتويها هذا الملف أو هذه الملفَّات: إحصائيَّات الرَّعيَّة _ البيانات السَّنويَّة المطلوبة (جرد الدَّير والكنيسة، البيان إلى الإحصاءات المركزيَّة) _ المجلس الرَّعوي أو لجنة الكنيسة _ وضع الكاهن السَّنوي.
مؤسَّسات في الرَّعيَّة: سيِّدات، شبيبة، كشَّاف، أخويَّة، جوق... المناولة الإحتفاليَّة _ مشاريع وإنجازات، خاصَّةً في السَّنوات الخمس الأخيرة _ اجتماعات الكهنة _ نسخة من إعداد النشرة الرَّعويَّة _ حالات خاصَّة في الرَّعيَّة _ زيارات البيوت _ تكريس البيوت _ وأبواب أخرى يرى الكاهن ضرورة إضافتها... هذه أمثال وليس لحصر الأبواب.

 
سجلات الرعية الأخرى
 
1_ ضبط سجلات المعموديَّة والزَّواج والوفاة بوضوح دون تشطيب بلا زيادة ولا نقصان، وتسجيل الاسم حسب الهويَّة. وضع كلّ هذه المعلومات على الحاسوب.
2_ مسك دفاتر محاضر مختلفة منها: لتغيِّير المذهب_لمعموديَّة تحت شرط_لحلف اليمين لأجل إثبات معموديَّة.
3_ بخصوص الزَّواج، التقيُّد بالقوانين الكنسيَّة في التحقيقات السَّابقة للزواج، وتعبئة الاستمارات بوضوحٍ وتدقيق، وتقديمها لمكتب الأبرشيَّة.
4_ مسك دفاتر حسابات للدَّاخل والخارج، وتقديمها في آخر كلّ سنة إلى القيِّم العام.
5_ في آخر كلّ سنة، تعبئة الاستمارات التالية عن العام المنصرم، وهي:
_ جرد أغراض الدَّير والكنيسة، والمدرسة وكلّ مؤسَّسة أخرى.
_ استمارة عن أحوال الرَّعيَّة.
إحصائيَّة الطَّائفة وعدد الطُّلاب وعدد الأكاليل والعمادات والوفيات.
6_ عمل دليل طائفي قابل للتَّجديد.

 

مقوِّمات الرِّعاية
 

أودُّ أن أستعرض مقوِّمات عائلتنا الرُّوحيَّة في رعايانا المحبوبة. فنرى معاً ما هي واجبات خدمة الرَّاعي فيها. وما هي واجبات أبناء الرَّعيَّة تجاه الرَّاعي والرَّعيَّة. وما هي الرَّوابط الكنسيَّة الإيمانيَّة، الرُّوحيَّة والدِّينيَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة، التي تربط بين كلّ أبناء الرَّعيَّة بحيث تكون حقيقةً رعيَّة واحدة وكنيسة واحدة إلى جانب رعايا أخرى. في مجتمع إنساني متنوِّع ديناً ودنيا.
أترك جانباً الاعتبارات الكتابيَّة واللاهوتيَّة والرَّاعويَّة المختلفة وأنتقل إلى الشقة العمليَّة.

 
واجبات كاهن الرَّعيَّة
 
نستعرض فيما يلي أوَّلاً واجبات الرَّاعي كاهن الرَّعيَّة بإشراف المطران وبالتَّعاون مع إخوته وأبنائه في رعيَّته.
إنَّها تُختصر بتأمين حمل بشرى الإنجيل الصَّالحة لأبناء رعيَّته جميعاً دون تميِّيز، وبكلِّ محبَّةٍ وتفانٍ وغَيرة. وذلك من خلال الخدمات التالية:
1_ إقامة ليترجيا القدَّاس الإلهي أيَّام الآحاد والأعياد وأيَّام الأسبوع. بالإضافة إلى صلوات أخرى كالسَّحر والغروب والمدائح والباركليسي وصلاة النَّوم الكبرى...
2_ عظة الأحد والعيد وشرح الإنجيل يحتلان مكان الصَّدارة في حمل البشرى الإنجيليَّة، وفي التوجيه الرُّوحي المناسب على مدار السَّنة.
3_ تأمين توزيع الأسرار المقدَّسة والتهيئة اللازمة لها: المعموديَّة والميرون والإفخارستيا، والزواج والتَّوبة والاعتراف. وسرّ مسحة المرضى والزَّيت المقدَّس. وتأمين الصَّلاة على الموتى ودفنهم باحترامٍ وإكرام.
4_ تأمين رعاية الرَّعيَّة بالسَّهر على وديعة الإيمان في قلوبهم جميعاً، الكبار والصِّغار، الشباب والشَّابَّات، والطُّلاب والشيوخ، الأصحَّاء والمرضى، والعائلات الفتيَّة، والذين هم في ظروفٍ صعبة.
5_ زيارة العائلات بمفردها دوريَّاً. خاصَّةً في بعض مناسبات: المرض، والوفاة، والفرح، والسَّفر والولادة والشَّهادات العلميَّة. ويُرافق الزِّيارة الاطمئنان على أحوال أفراد العائلة في البيت وقراءة الكتاب المقدَّس والتَّوجيه الرُّوحي...
6_ يزور الكاهن الرَّعيَّة ليُكرِّس جميع البيوت في عيد الظُّهور الإلهي. ويُكرِّس البيوت الجديدة وكلّ مستجدّ في البيت.
7_ يرعى الكاهن الرَّعيَّة أيضاً من خلال اجتماعات الوكلاء والمجلس الرَّعوي _ إذا وُجِد _ الذي يٍُساعده في الخدمة الرَّعويَّة الرُّوحيَّة والاجتماعيَّة. وكذلك من خلال اجتماعات الشَّبيبة (على اختلاف فئاتها وأعمارها) في مركز الشَّبيبة، وفي الرِّياضات الرُّوحيَّة والمؤتمرات والرِّحلات... ومن خلال تمرين الجوق على الترانيم الدِّينيَّة. بحيث تشترك فيها كلّ الرَّعيَّة.
8_ يؤمِّن الكاهن الخدمة الرَّعويَّة من خلال اجتماعات السَّيِّدات والرِّجال الدَّوريَّة، ورياضات روحيَّة مناسبة.
9_ تتكثَّف هذه الرِّعاية والنشاطات المختلفة في مرحلة الصّوم الكبير المبارك استعداداً للعيد الكبير عيد الفصح والقيامة المجيدة.
10_ يهتمّ الكاهن الرَّاعي بالتَّثقيف الرُّوحي لمختلف فئات الرَّعيَّة من خلال النَّشاطات المذكورة أعلاه. وخاصَّةً من خلال التَّعليم الدِّيني في المدارس، وفي مراكز مختصَّة بالتعليم المسيحي، وتنظيم المحاضرات الدِّينيَّة والاجتماعيَّة... كذلك بتوزيع الكتب الرُّوحيَّة والدَّعوة إلى اقتنائها واستعارتها من مكتبة الرَّعيَّة الرُّوحيَّة والثَّقافيَّة والدِّينيَّة. كما ويجب اللُّجوء إلى الكاسيتات الدِّينيَّة. وأشرطة الفيديو أو أفلام السِّينما. كما يتمّ ذلك من خلال النَّشرة الرَّعويَّة.


 

الواجبات الاجتماعيَّة
 

يؤمِّن كاهن الرَّعيَّة الواجبات الاجتماعيَّة حسب ظروف كلّ رعيَّة بالتَّعاون مع الوكلاء، ومع المجلس الرَّعوي ولجنة الكنيسة ومراكز الشبيبة. ومع علمانيِّين آخرين من أبناء وبنات الرَّعيَّة، ومع الرَّاهبات المقيمات في الرَّعيَّة.

 
أهمّ مظاهر الخدمة الاجتماعيَّة
 
1_ مساعدة الفقراء والعائلات المستورة. خاصَّةً في الظُّروف الصَّعبة، وبمناسبة الأعياد، المساهمة في الأقساط المدرسيَّة. لكن هذا الواجب يقع على كلِّ أبناء الرَّعيَّة. إذ إنَّ الكاهن لا يملك مالاً. وإنَّما يُفجِّر في قلوب أبناء الرَّعيَّة والمُحسنين المحبَّة الأخويَّة ويُشجِّعهم على العطاء والمساعدة، وعلى تأليف صندوق مساعدات مشتركة أو سوى ذلك، تُغذِّيه تقادم الرَّعيَّة ومساعدات من جمعيَّات أخرى...
2_ إقامة الحفلات الاجتماعيَّة الرَّعويَّة، والرِّحلات، والمعارض الرَّعويَّة، وتوفير ظروف أخرى يلتقي فيها أبناء الرَّعيَّة فيجمعون ما تيسَّر لمساعدة الفقراء ويتعرَّفون على بعضهم بعضاً. وتتضافر جهودهم للخير وتزداد أواصر المحبَّة فيما بينهم فيُفيد بعضهم بعضاً في شتَّى ظروف الحياة.
3_ يُحبَّذ جدَّاً اجتماع الرَّعيَّة الشَّهري العامّ، ولو لشرب فنجان قهوة، وللتداول في أحوال الرَّعيَّة، وزيادة الأُلفة.
4_ كاهن الرَّعيَّة هو الأب للجميع، والأخ والمرشد والقائد. لذا فمن واجبه أن يوفِّق بين أبناء الرَّعيَّة، وبين أفراد العائلة الواحدة، ويُحرِّض دوماً على المحبَّة ونبذ التفرقة وتسوية الخلافات عن طريق أبناء الرَّعيَّة بالطُّرق الأخويَّة السِّلميَّة.
5_ كاهن الرَّعيَّة يُشجِّع أبناء الرَّعيَّة على إقامة لجنة خاصَّة بالطُّلاب وأقساطهم، وانتسابهم إلى الجامعات، والمعاهد العلميَّة، والمدارس المهنيَّة وإكرام المتفوِّقين بينهم، كما يُشجِّعهم على إقامة لجنة تُعنى بالمساعدة على إيجاد بعض ظروف العمل والتوظيف، بالتعاون بين أبناء الرَّعيَّة أصحاب العلاقات العامَّة الممتازة وسواهم من غير رعايا... وذلك عن طريق إقامة اتصالات مع جمعيَّات في البلاد وخارجها.

 

واجبات أبناء الرَّعيَّة
 

لقد بان واضحاً من سرد واجبات كاهن الرَّعيَّة، أنَّه لا يستطيع أن يعمل شيئاً بدون أبناء الرَّعيَّة وتفاعلهم وتعاونهم معه، ومشاركتهم الفعَّالة في شتَّى النَّشاطات التي أشرنا إليها.
نستعرض أهمّ واجبات أبناء الرَّعيَّة:
1_ الحضور إلى الكنيسة والمشاركة الفعليَّة في الصَّلوات والطُّقوس المختلفة:
تهيئة الأولاد لخدمة الطَّقس في الكنيسة _ المشاركة في الجوق _ الاستعداد للتَّرنيم _ خدمة السكرستيا _ الانتماء إلى لجنة الكنيسة للإشراف على الترتيب، وتوزيع الشُّموع، والكتب والمنشورات ولمّ الصِّينيَّة، والمحافظة على الهدوء واستقبال الضُّيوف...
2_ المشاركة في التقادم لأجل مصاريف الكنيسة (كهرباء، شمع، تنظيف ثياب خدمة الكنيسة، حاجيَّات أخرى متنوِّعة...). وعلى الذين يحضرون قليلاً الصَّلوات لأعذار وأسباب متنوِّعة، أن يُقدِّموا تقادمهم بطرق خاصَّة.
3_ يا حبَّذا لو نجد شخصَين أو ثلاثة من الرِّجال والنِّساء يعملون بإشراف الكاهن على إنعاش الصَّلوات الطَّقسيَّة في كلِّ رعيَّة.
4_ إعلام الكاهن بكلِّ مستجدّ في العائلة: ميلاد _ فرح _ سفر _ شهادة _ تغيير عنوان السَّكن.
5_ الاشتراك في اللِّجان، في الاجتماعات، في الرِّحلات والمعارض والحفلات ومركز الشبيبة. وفي مختلف النشاطات والمبادرات التي يقوم بها الكاهن.
6_ إعلام الكاهن بتواريخ ومواعيد العمادات والأكاليل وتذكارات الموتى، والاتفاق معه عليها مسبقاً لكي تؤمَّن الخدمة على أحسن وجه.
7_ استقبال الكاهن بحفاوة ومحبَّة وترحاب في البيوت، وجمع أكبر عدد من أفراد العائلة للاستماع إليه والتحدُّث إليه وإقامة الصَّلاة معه...
8_ الاستفهام من وقت إلى آخر عن صحَّة الكاهن (أو المطران) وتهنئته بالعودة بعد سفرٍ طويل، ومعايدته في عيده ولو باتصال هاتفي، ودعوته إلى عيد عائلي، إلى رحلة أو نزهة مع العائلة... وداعه قبل سفر أحد أبناء العائلة أو قبل مغادرة البلاد للعمل في الخارج...
9_ تقدمة النُّذور إلى الكنيسة (زيت _ شمع _ بخور...) تقدمة القرابين في الآحاد والأعياد الكبرى وفي عيد شفيع العائلة، مع لائحة بأسماء الأحياء والأموات الذين يطلب من الكاهن ذكرهم في الصَّلاة وفي القدَّاس الإلهي.
10_ توجيه الأولاد والشباب ليفهموا واجباتهم نحو الكاهن وكيف يحترمونه، ويُحبُّونه، ويكونون قريبين إليه كأخ وصديق ومرشد.
11_ تشجيع الأولاد والشباب والشابَّات للاشتراك في مركز الشبيبة وفي التعليم الدِّيني ونشاطات الشبيبة المتنوِّعة.
12_ الاهتمام بالتعرُّف على غيرنا من أبناء الرَّعيَّة، وعلى أسمائهم ومهنهم خاصَّةً بعد القدَّاس لدى أخذ فنجان القهوة. وفي الاجتماعات والرِّحلات... بحيث لا تتألَّف فئات اجتماعيَّة متميِّزة بين أبناء الرَّعيَّة الواحدة.
13_ تقديم ما يترتَّب لصندوق الكنيسة مقابل الشهادات المختلفة (عماد _ مطلق حال _ زواج...)، وخدمة الأسرار المقدَّسة (عماد _ خطبة _ زواج _ دفن _ مدفن _ استعمال قاعة). وذلك بطيبة خاطر ودون تأخير ودون لجوء إلى المطالبة. وكذلك لا بدَّ من تقديم المساهمة المفروضة في رحلة، محاضرة، وفنجان القهوة يوم الأحد والضيافات أيَّام الأعياد الكبرى، ويوم رياضة روحي في دير أو مؤسِّسة.
14_ تقديم الزهور إلى الكنيسة في مناسبات مختلفة، منها خاصَّة: الأعياد الكبرى _ مدائح العذراء _ أيَّام الصَّوم _ أحد الزهور (الثالث من الصَّوم) _ الجمعة العظيمة _ أيَّام الباركليسي (تقدمة الحبق)...
15_ التفكير بتوجيه ابن أو ابنة إلى الدَّعوة الكهنوتيَّة والرَّهبانيَّة، في دير الرَّاهبات، أو في معهد لاهوتي.
16_ الرَّغبة في التعرُّف على تاريخ الرَّعيَّة والكنيسة (أو الطَّائفة) وطقوسها وعاداتها.

هذه الأمور تساعد كثيراً في إنعاش الرَّعيَّة، وجعلها كنيسة حيَّة وجماعة مؤمنة متَّحدة متعاونة تعيش جوّ المشاركة الأخويَّة، فيكون إيمانها الواحد والأسرار المشتركة معاً، عوامل لبناء مجتمع مسيحي مؤمن أفضل، يشهد لقيم الإنجيل في المجتمع الكبير، ويحمل إلى الآخرين بشرى الخير والسَّعادة.
هكذا تعيش الكنيسة والرَّعيَّة إيمانها في عالم اليوم.

 
العلماني رسولٌ إلى جانب الكاهن
 

نحتفل بعام الكاهن. ولكن لا يجوز لنا أن نغفل دور العلماني إلى جانب الكاهن. المجمع الفاتيكاني الثاني خصَّص وثيقةً للعلمانيِّين في الكنيسة. ولكنَّ هذه الوثيقة ليست ?كتشافاً جديداً. لكنَّها متابعة في خط تعليم الكنيسة وخبرتها، حول دور العلمانيِّين في الكنيسة. لا بل نجد أنَّ دور العلماني كان أعظم وأوسع في الكنيسة الأولى. وهل ننسى حوالي المئة من معاوني بولس؟ وأكثرهم من العلمانيِّين رجالاً ونساءً (راجع رسالتنا الرَّابعة لعام القدِّيس بولس بعنوان: "معاونو بولس". وقد أوضحنا فيها دور العلمانيِّين في انتشار المسيحيَّة الأولى).
أُحبُّ أن أشير هنا إلى بعض الآيات من وثائق تاريخ الكنيسة الأولى، وبخاصّة الرَّسائل، التي فيها نرى الرُّسل يؤكِّدون دون تردُّد دور العلمانيِّين. والواقع أنَّنا في تاريخ الكنيسة المعاصر، أقلّ قناعة من دور العلمانيِّين إلى جانب الكاهن. إنَّ الحسَّ برسالة العلماني، ضعيف اليوم عند الكاهن، وعند العلمانيِّين المؤمنين. ولنستعرض بعض الآيات من الأسفار المقدَّسة. وأبدأ ببطرس الرَّسول، الذي أعتبره الأكثر وضوحاً في التَّعبير عن كهنوت العلمانيِّين. وأكتفي بالآيات دون التوسُّع في شرحها.
يقول بطرس في رسالته الأولى الجامعة: "كونوا أنتم أيضاً مبنيِّين كحجارةٍ حيّة. بيتاً روحيَّاً، كهنوتاً مقدَّساً. لتقديم ذبائح روحيَّة مقبولة عند الله بيسوع المسيح. "والمعلوم أنَّ الرسالة موجَّهة إلى مؤمنين علمانيِّين غير مكرَّسين. وربَّما كان بينهم مكرَّسون. وهذا ما نراه في مطلع الرِّسالة: "من بطرسَ رسول يسوع المسيح، إلى المتغرِّبين من شتاة بنطوس وغلاطية000 المختارين000" أمَّا ما يختصُّ بالشيوخ فنراه في الفصل الخامس: "أَطلبُ إلى الشيوخ الذين بينكم000 إرعوا رعيَّة الله التي بينكم، لا عن اضطرارٍ بل بالاختيار. ولا لربحٍ خسيس بل بنشاط؟" (1 بطرس 5: 1-2). وفي مطلع الرِّسالة الثانية يؤكِّد، أنَّ المسيحيِّين المعتمدين قد "نالوا معنا إيماناً ثميناً كإيماننا" (2 بطرس 1: 1). لا بل أصبحوا كلُّهم "شركاء في الطَّبيعة الإلهيَّة" (2 بطرس 1 : 14). ولهم جميعاً دعوةٌ واختيار. ويدعوهم: "أن تجعلوا انتخابكم ودعوتكم ثابتَين" (2 بطرس 1 : 1-10).
وفي رسالة يوحنَّا الأولى، نجد آيات مماثلة. فالعلماني المؤمن له شركة مع الرَّسول (1 يوحنَّا 1 :3). وللعلمانيِّين "مسحةٌ من الرَّبّ" (1 يوحنَّا 2 : 20 و27).
في هذه الآيات دلالةٌ واضحة على كهنوت العلمانيِّين، يكتسبونه من خلال المعموديَّة المقدَّسة. ومن هذا المنطلق تقع عليهم مسؤوليَّة حمل بشارة الإنجيل المقدّس إلى الآخرين. كلٌّ في موقعه وعمله000 وهذا هو الأساس لعمل العلمانيِّين إلى جانب الكاهن، وبتوجيهاته وبإرشاده. لن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع، ولكن نريد أن نشير إلى واقع كنيستنا: إنَّ عدد الكهنة يتناقص، لأن عدد الأولاد في العائلات يتناقص، بالإضافة إلى أسبابٍ أخرى. ولهذا فلا بُدَّ من الاهتمام الكبير بتطوير دور العلمانيِّين في حمل البشارة الصَّالحة إلى عالم اليوم.
هذا التَّطوير له أبعادٌ متنوِّعة: فلا بُدَّ للكاهن أن يعي حقَّاً دور العلماني في رعيَّته ورعايته ويقتنع من ذلك. عليه أن يتعلَّم كيف يتعامل مع العلمانيِّين، بحيث لا يُغالي في إعطائهم دورهم. ولا ينتقص من هذا الدَّور.
من جهةٍ أخرى، على العلماني أن يعي هو بنفسه هذا الدَّور. هذا الدَّور ليس مجرَّد أمر ?ختياري أو مزاجي، أو "تربيح جميلة!" إنَّها مسؤوليَّة تنطلق كما أشرنا أعلاه من حقيقة لاهوتيَّة: من العماد المقدَّس.
وهناك أيضاً ضرورةٌ، أن يفهم العلمانيُّون، أنَّ رفيقهم العلماني يمكن أن يكون له دور، ويحمل إليهم البشارة الإيمانيَّة، إلى جانب الكاهن وبإرشاداته.
الواقع أنّ هناك جهلاً أو تجاهلاً كبيراً لدور العلمانيِّين في الكنيسة. من قِبَل الكاهن، ومن قِبَل العلمانيِّين أنفسهم.
وربَّما كان من الضَّروري أن توضع دراسة مفصَّلة حول هذا الموضوع. وتُقام دورات خاصّة للكهنة وللعلمانيِّين حول دور العلمانيِّين، وحول التفاصيل العمليَّة الدَّقيقة لهذا العمل. وربَّما كانت إحدى ثمار عام الكاهن، أن نضع معاً في كنيستنا هذه الدِّراسة، وعلى أساسها تُقام الدَّورات اللازمة حول دور العلمانيِّين، في كنيستنا في الألفيَّة الثالثة.
لأجل إتمام الفائدة بالنسبة لدور العلمانيِّين إلى جانب الكاهن، نورد بعض مقاطع من رسالتنا بعنوان "معاونو بولس". مع العلم أنَّ الرِّسالة كلّها، دليل للكاهن كيف يتعامل مع العلمانيِّين، على مثال بولس الرَّسول العظيم. وهذه هي المقاطع:
"في هذه الرِّسالة الرَّابعة عن بولس في عام يوبيله الألفي الثاني، سنكتشف بولس الرَّسول العظيم، الذي يُشرِك المؤمنين الجدُد من اليهود، ومن الوثنيِّين برسالة الإنجيل. وبالرَّغم من أنَّه يُسمِّي ذاته رسولاً مدعوّاً من السَّيِّد المسيح نفسه، إلاّ أنَّه يدعو المؤمنين الجدُد، للعمل معه، وإلى جانبه، وبتوجيهاته.
"يطلق بولس على معاونيه، ألقابًا جميلةً، بعباراتٍ رقيقة وعاطفيّة وجدانيّة! ولكنَّه لا يوفِّرهم، ويُسلِّم إليهم مهامَّ دقيقة، ويُعطيهم التَّوجيهات المناسبة ويُلاحقهم، لا بل يَظهرُ شديدًا، ومُتطلِّبًا تجاههم.
"ففي رسائله، المعاونون هم إخوة، أخ وأخت وشركاء في الخدمة وقدِّيسون، وحبيب وحبيبة ومحبوبة وباكورة وأنسباء والمزكَّين بالمسيح والمختارون (خصوصًا في الرِّسالة إلى روما 16: 1-16). ومضيفون وكتَّاب الرَّسائل ومشاركون في الإنجيل، وشركاء في النِّعمة وهم سروره وإكليله، ومرسلون مفوَّضون من قِبَله، والخدَّام الأمناء، والعبيد مع بولس، ومُجاهِدون في سبيل الإنجيل، وعاملون لأجل نشر الملكوت، غَيورون في الخدمة، وفي لجان الإرشاد...
"أمَّا المهام الملقاة على عاتق المعاونين فهي رسوليّة وروحيّة ومادِّيَّة وترشيديّة وتأسيسيّة وتنظيميّة... منهم من يقومون بواجب الضِّيافة له ولرفاقه، ومنهم من يسكن في بيته وإلى مُدَدٍ مختلفة، ومنهم من يستعمل مدرسته، ومنهم الوعَّاظ، وشُرَّاح الطريق الجديد المستند على تعاليم الإنجيل، ومنهم من يقومون بواجب التَّمثيل، وقيادة المجموعات الجديدة النَّاشئة، ويترأسون الصَّلوات اللِّيترجيّة، ويرسمون الكهنة والأساقفة، ومنسِّقو اللِّجان لجمع الأموال والمساعدات لمؤمني القدس، ولأجل توزيعها... ومنهم من يحمل الرَّسائل والنَّشرات والأخبار السَّارَّة أو سِواها عن حياة الكنيسة... ومنهم من يُطلب منه أن يُعزِّي الآخرين، ويُشدِّد الجماعات المتألِّمة، المضَّطهَدة...
"وهكذا يلجأ بولس إلى كلِّ معاونيه، لا بل إلى كلِّ من أقبلَ إلى الطَّريق الجديد، أي الإنجيل، ويطلب منهم أن يكونوا معاونين له في حمل الرِّسالة. وهو الذي قال: "الويلُ لي إنْ لم أُبشِّر" (1كورنثُس 9: 16). وهو الذي قال لتلميذه تيموثاوس: "بشِّر في وقته وفي غير وقته". وهو أراد أن يكون كلُّ معمَّدٍ مبشِّرًا إلى جانبه، يوجِّه إليه الوصيّة عينها كما لتلميذه تيموثاوس. وهذا ما يشرح وجود هذا العدد الكبير من المعاونين إلى جانبه، في كلِّ رحلاته الرَّسوليّة، بحيث لا تخلو رسالة من ذكر المعاونين، ولا تخلو مدينة بشَّر فيها، إلاّ وترك فيها معاونين، أو أسَّس لجانًا، مهمَّتها أن تُتابع عمله، أو بالحريّ عمل يسوع، وعمل الإنجيل...
"إنَّه حقًّا لملفتٌ للنَّظر، أن نرى هذه المجموعة الكبيرة من المعاونين حول بولس، يوكِلُ إليهم هذا الكمّ المتنوِّع من المهام الرَّسوليّة والأسراريّة والتَّنظيميّة.


 

العلمانيُّون في المجمع الفاتيكاني الثَّاني

في خطى بولس سارت الكنيسة في تاريخها، وأعلنت ذلك في تعاليمها، ونرى لذلك صدىً في المجمع الفاتيكاني الثَّاني.
الوثيقة عن رسالة العلمانيِّين (1965) تُشير إلى معاوني بولس في رسائله. وتَعتبِر أنَّ رسالة العلمانيِّين في الكنيسة، نابعة من دعوتهم المسيحيّة ومن عِمادهم. وتطال قطاعات الحياة بأسرها. وقد سبق القدِّيس بولس أن وصف هذه القطاعات في رسائله كما أشرنا إليه سابقًا.
هذا ما شدَّد عليه المجمع الفاتيكاني الثَّاني. فلم تخلُ وثيقةٌ من وثائق المجمع (وهي 16) إلاّ وكان فيها إشارةٌ إلى أهميّة رسالة العلمانيِّين في الكنيسة، وفي المجتمع.
نقتطف من وثيقة "رسالة العلمانيِّين" ما يلي: "إنَّ في الكنيسة خدمات متنوِّعة، ولكن الرِّسالة واحدة. فلقد أعطى المسيح رسله وخلفاءهم مهمّة التَّعليم والتَّقديس والحكم ب?سمه وبسلطانه. غير أنَّ العلمانيِّين، وقد أشركهم المسيح في مهمّته الكهنوتيّة والنّبويّة والملَكيّة، يقومون في الكنيسة وفي العالم بالدَّور الذي يعود لهم في رسالة شعب الله كلِّه، فيمارسون تلك الرِّسالة بنشاطهم في التَّبشير وتقديس النَّاس، ويعملون على بثّ روح الإنجيل في نُظُم الشُّؤون الزَّمنيّة...".
"تُمارَس هذه الرِّسالة، بالإيمان والرَّجاء والمحبَّة، التي يُفيضها الرُّوح القدس في قلوب أعضاء الكنيسة جميعًا.. بحيث يعبِّر المؤمنون عن روح التَّطويبات في حياتهم" (البند 2).

وتقول وثيقة المجمع بالنِّسبة إلى الرِّسالة في العائلة:
"الزَّوجان المسيحيَّان، بتعاونهما مع النِّعمة، يشهدان للإيمان أمام بعضهما البعض وأمام أولادهما وسائر أقاربهما. فهما أوَّل من يُبشِّر أولادهما بالإيمان ويُدرِّبهم عليه: فيربيانهم بالكلمة والمثل لحياةٍ مسيحيّة ورسوليّة، ويساعدانهم بحكمةٍ على اختيار دعوتهم، ويُعزِّزان فيهم باهتمامٍ كلِّيّ، الدَّعوة المقدَّسة (إلى الحياة الكهنوتيّة والرَّهبانيّة) إذا ما اكتشفاها فيهم".
"استلمت العائلة المسيحيّة من الله هذه الرِّسالة، وهي أن تكون أولى خلايا المجتمع الحيّة. وهي تؤدِّي رسالتها إذا ما وُفِّقت، في أن تجعل من البيت معبدًا كنسيًّا، بتقوى أعضائها المتبادل، وبالصَّلاة المشتركة التي يرفعونها إلى الله...".
وهكذا يُصبح العلمانيُّون، وخاصَّة في نطاق العائلة المؤمنة، شهودًا للإنجيل وللمسيح... فيصبح كلّ مؤمن رسولاً!
هذه الوثيقة المجمعيّة، وسِواها من الوثائق المجمعيّة، ومن الرَّسائل البابويّة اللاحقة منها: (christifideles laïci 1987) تحتوي على شرعة رسالة العلمانيِّين في الكنيسة، في خطى بولس الرَّسول.
والواقع أنَّ العلمانيِّين المؤمنين، هم في تواصلٍ دائمٍ مع العالم، مع المجتمع، مع الواقع اليومي، الاجتماعي والسِّياسي والأخلاقي والاقتصادي والبيئي... هم الذين يضعون موضع العمل رسالة يسوع، قِيَم الإنجيل، ويعيشونها في واقعهم اليومي، في مجتمعهم...
وأشار القانون الكنسي إلى أهميّة رسالة العلمانيِّين: "للعلمانيِّين كرامةٌ ونصيبٌ في رسالة الكنيسة. يجبُ على الإكليريكيِّين أن يعترفوا بهما، ويعزِّزوهما، وعلى الخصوص باختبار مواهب العلمانيِّين المتنوِّعة، وبتوجيه اختصاصهم وخبرتهم إلى خير الكنيسة، لا سيَّما بالطَّرائق التي يوردُها الشَّرع" (القانون 381، بند 3 من مجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيّة).

 

رسالة العلمانيِّين في كنيستنا

نشطت رسالة العلمانيِّين، بخاصَّةٍ بعد المجمع الفاتيكاني الثَّاني. وتعدَّدت الحركات الرٌَّسوليّة، التي شملت كلّ شرائح الرَّعيّة. فكانت الأخويّات القديمة العهد في كنيستنا، ومنها بخاصَّة أخويّات سيِّدة البشارة، وقد نشَّطها البطريرك مكسيموس الثَّالث مظلوم، والبطريرك غريغوريوس الثَّاني يوسف سيُّور. وتأسَّست أنشطة جديدة للطلاب، وللشَّباب الجامعي والعمَّالي، التي أتت من الغرب، وتطعَّمت بالرُّوحانيّة الشَّرقيّة، بخاصَّة اللِّيترجيّة. وهي متوفِّرة والحمد لله في أبرشيّاتنا، ورعايانا، ورهبانيَّاتنا الرِّجاليّة والنِّسائيّة. وهي خلايا روحيّة إيمانيّة حيّة. وهي العمدة في الرَّعيّة، وكلّ مشاريعها اللِّيترجيّة والرُّوحيّة والرَّاعويّة والاجتماعيّة والخيريّة. ومن صفوفها، وفي أجوائها، انتعشت الدَّعوات الكهنوتيّة والرَّهبانيّة. وقد أحصينا منها الكثير في مجمع أبرشيّة دمشق البطريركيّة عام 2003، ومن خلال انعقاد مجمعنا البطريركي الأوَّل عام 2007، وقد بلغت حوالي مائة حركة، طالت شرائح مجتمعنا الكنسي، وغطَّت حاجات رعايانا.
لا يسعنا إلاّ أن نشجِّع، هذه النَّشاطات والحركات والجمعيَّات، في كلّ أبرشيّاتنا ورعايانا. ولنقتدِ بالرَّسول بولس، المعلِّم الأكبر في رسالة العلمانيِّين في الكنيسة، بدعوة العلمانيِّين في رعايانا، إلى الانخراط في العمل الرَّاعوي، إلى جانب الكاهن والرَّاهبة والمكرَّس، وبتوجيههم وإرشادهم.
وإنَّه لمن الأهميّة على جانبٍ كبير، أن ينشأ من خلال هذه الأنشطة، كوادر من العلمانيِّين، ليكونوا حاملين قِيَم الإنجيل إلى مجتمعاتهم. إذ هم حقًّا الخميرة، في عجين المجتمع، والنُّور، والملح.

 

معاونون وشركاء
 

نتوجَّه إلى الرُّعاة في كنيستنا، مطارنة وكهنة. ولا شكّ أنَّ كلَّ واحدٍ منهم يمكنه أن يكتب أيضًا سفرًا، يصف فيه علاقته مع معاونيه، في الخدمة الكهنوتيّة، والعمل الرَّاعوي.
وإنَّنا لندعوهم إلى المزيد من التواصل مع رعاياهم، مع جميع أبناء الرَّعيّة، ويجمعوا حولهم معاونين غَيورين، أمناء متحمِّسين مندفعين، يحملون معهم وإلى جانبهم وبإرشادهم، أعباء الرِّسالة وحمل البشارة، والتَّنظيم والإدارة ومختلف الخدمات التي تحتاج إليها الخدمة الكهنوتيّة.
دعاؤنا إلى الله بشفاعة بولس الرَّسول، أن تنشأ علاقات مماثلة، بين كاهن الرَّعيّة ومعاونيه، وجميع أبناء وبنات الرَّعيّة، كما اكتشفناها عند بولس، وعلى مثاله.
وعلى مثال بولس، على الرَّاعي أن يبقى راعيًا ومرشدًا وقائدًا ومهذِّبًا وموجِّهًا... وأيضًا أخًا وصديقًا وأبًا وأمًّا ومحبًّا ومحبوبًا... ساهرًا يقظًا... قريبًا... ولكن ليُحافظ على المسافة اللازمة، التي تمكِّنه من متابعة رسالته الرُّوحيّة والرَّاعويّة والإرشاديّة. فيتَّكِل على العلمانيِّين، ويكِلَ إليهم مهام متنوِّعة... ولكنَّه يبقى الموجِّه والمرشد، والمعلِّم والمصحِّح للمسار، والمرافق والسَّاهر... يحمل فكر المسيح، وتعاليمه ومحبَّته، إلى أبناء وبنات رعيَّته، وبخاصَّة إلى معاونيه، الذين هم له شركاء، كما نقول في ليترجيا القدَّاس الإلهي، في الخطاب بين الكاهن والشَّمَّاس: "صلِّ لأجلي يا أخي وشريكي في الخدمة"، ويُجيب الكاهن في ختام الحوار: "هذا الرُّوح عينه، يؤازرنا في الخدمة، جميع أيَّام حياتنا...".
ولتكن العلاقة مستوحاة أيضًا، من التَّحيّة اللِّيترجيّة، التي يتبادلها المحتفلون فيما بينهم، والمؤمنون فيما بينهم، إذ نعلن قائلين: "المسيح فيما بيننا... إنَّه باقٍ وسيبقى... أو كائنٌ وسيكون...".

 

 
نداء

إنَّنا نتوجَّه إلى أبنائنا وبناتنا، في كلّ أبرشيّاتنا ورعايانا الرُّوميّة المَلَكيّة الكاثوليكيّة، وندعوهم لكي يسمعوا نداء يسوع، وبولس، ورعاتهم وآبائهم الرُّوحيِّين. طالبين منهم، أن يكونوا كرماء في الخدمة والتَّطوُّع، إلى جانب الكاهن، وبإرشاده وتوجيهاته.
ونقول لهم: يسوع بحاجة إليكم... بولس يدعوكم كما كان يدعو المؤمنين، في الجماعات المسيحيّة الأولى. رعاتكم بحاجة إليكم. كهنتكم بحاجة إليكم. كنيستكم تدعوكم، أساقفتكم بحاجة إليكم، البطريرك بحاجة إليكم.
نحن اليوم بأمسِّ الحاجة إلى معاونين من العلمانيِّين، مؤمنين أمناء غَيورين مِقدامين، نشطاء أقوياء، ذوي كفاءاتٍ عالية، رجال أعمال، رجال سياسة، أساتذة جامعيِّين. أناسًا ذوي نفوذٍ في المجتمع، ذوي فطنة وحنكة وحكمة... مضحِّين، متجرِّدين عن المصالح الدُّنيويّة والطَّمع والمكسب، مستعدِّين أن يكونوا كما يقول صاحب المزامير: "كسِهامٍ بيد جبَّار!" (مزمور 127: 4).
نحن الرُّعاة بحاجة إليكم أيُّها العلمانيُّون المؤمنون... أنتم رسلنا، ورسل يسوع إلى العالم. أنتم تفعِّلون الرَّعيّة معنا... أنتم تحملون تعاليم يسوع، وبولس والرُّسل والقدِّيسين والرُّهبان، وتعاليمنا وتوجيهاتنا ومواعظنا إلى العالم... إلى مجتمعكم... إلى رفاق عملكم ومهنتكم ووظيفتكم، وإلى أخيكم المواطن من دينكم، ومن غير دينكم، إلى الملحِد والمستهتر والبعيد عن الكنيسة والإنجيل، وعن الرَّبّ، وعن تعاليم الكنيسة...
يقول بولس: "نحن سفراء المسيح". ونقول لكم أنتم سفراء المسيح، وسفراؤنا كخدَّام المسيح... أنتم مؤتمنون على الرِّسالة، وعلى حمل بشرى الإنجيل إلى عالمكم!
نحن بحاجة إلى الشَّباب، وإلى من هم في شبابٍ دائم، في محبَّتهم للمسيح، وغَيرتهم على نشر تعاليمه المقدَّسة، وإظهار محبَّته للبشر.

 

ملامح كاهنٍ روميٍّ ملكيٍّ كاثوليكي
 

آمل ألا أكون قد أطلتُ كثيراً في هذه الرِّسالة. ولكنَّني أعتبرها حواراً أخويَّاً أبويَّاً، روحيَّاً، حوارَ صداقةٍ وودٍّ ومحبَّة، حواراً كهنوتيَّاً... وكأنَّ هذه الرِّسالة هي وصيَّتي البطريركيَّة لكهنتي! وهي لقاء معهم، في هذا العام، وفي الأعوام القادمة، وعلى مدى الأعوام التي يُعطيني المخلِّص أن أعيشها في الخدمة البطريركيَّة. وسأعمل جاهداً لكي ألتقي في هذا العام الكهنة الرُّهبان في أديارهم ومراكز عملهم، والكهنة الأبرشيِّين بتوليِّين ومتزوِّجين، في أبرشيَّاتهم.
أُنهي هذه الرِّسالة ببعض ملامح الكاهن الروميّ الملكي الكاثوليكي:
1_ هويَّة الكاهن: تتحدَّد في أبعادٍ ثلاثة: علاقة الكاهن مع تدبير الله الخلاصي. وعلاقة الكاهن مع الكنيسة، أي الأسقف، لأنَّه هو شريكٌ له ومعاونٌ بإشرافه. وعلاقة الكاهن مع العالم، مع الرَّعيَّة. إذ إنَّ لُبّ الدَّعوة الكهنوتيّة، أن يحمل الكاهن إلى رعيَّته وإلى العالم بشرى الخلاص والفداء.
2_ الكاهن الإنسان: "إنَّه يؤخذ من النَّاس، ويُقام لأجل النَّاس، في ما هو لله" (عبرانيُّون 1:5) فهو إنسان، إمتلكته وحوَّلته نعمة الله، كما ورد في صلاة الرِّسامة الكهنوتيَّة والأسقفيّة: "النِّعمة الإلهيَّة التي في كلِّ حينٍ تشفي المرضى وتُكمِّلُ النَّاقصين". فهو مدعو إذن ليكون إنساناً بكلِّ أبعاد وتنوُّع الصِّفات الإنسانيّة. ومدعو ليكون إنساناً كاملاً: "كونوا كاملين كما أنَّ أباكم السَّماوي هو كامل" (متَّى 48:5).
هذا يعني أنَّ الكاهن مدعو إلى التشبُّه بالمسيح الرَّاعي الصَّالح، أعني مدعو إلى التألُّه. وكما أنَّ السَّيِّد المسيح هو إله وإنسان، هكذا على الكاهن أن يجمع بين صفات الإنسان الكامل وكمال الله غير المدرك. إنَّها إنسانيّة أو "أنسنة" متألِّهة. كلّ ما فيه يبقى فيه، ولكنَّه يتألَّه!
3_ جماعة كهنوتيَّة روميَّة كاثوليكيَّة: كما قلت يعدُّ الكهنة في كنيستنا حوالي الأربعمائة كاهن. فيمكننا أن نؤلِّف حقَّاً جماعة كهنوتيَّة متقاربة، متناغمة، مُحبَّة، قويَّة، متميِّزة: تعكس صورة الجماعة المسيحيَّة الأولى كما ورد وصفها في أعمال الرُّسل: "وكانوا مواظبين على تعليم الرُّسل والشركة وكسر الخبز والصَّلوات... ويتناولون الطَّعام بابتهاجٍ وسلامة قلب، ويُسبِّحون الله وينالون حظوةً عند الشَّعب" (أعمال 2: 42 و46_47) وأيضاً: "وكان لجمهور المؤمنين قلبٌ واحد، ونفسٌ واحدة... وكان كلُّ شيءٍ مشتركاً فيما بينهم. بقوَّةٍ عظيمة، يؤدُّون الشَّهادة بقيامة الرَّبِّ يسوع. وكانت عليهم جميعاً نعمةٌ عظيمة" (أعمال 4: 32_33). وفيهم أُعطيت الشَّهادة المسيحيَِّة الأولى: "أُنظروا كيف يُحبُّون بعضهم بعضاً".
أدعو إخوتي وأبنائي الكهنة أن يكونوا هذه الجماعة المسيحيَّة في الألفيَّة الثالثة. يؤلِّفون معاً "أسرةً كهنوتيَّة"، في تواصلٍ دائم بكلِّ وسائل الاتصال المعاصر، وفي سعيٍ دائم لتكثيف عناصر الحياة المشتركة، متحابِّين، متضامنين، متعاونين، يحملون بعضهم أثقال بعض. يُشجِّعون الواحد الآخر على كمال الحياة الكهنوتيَّة، والخدمة المثاليَّة.
4_ الحياة المشتركة: ولنسعَ، أساقفة وكهنة، على تكثيف كلِّ المبادرات والفعاليات التي تُشجِّع على الحياة المشتركة في كلِّ أبرشيَّة: الصَّلاة الطَّقسيَّة معاً بتواتر _ الاحتفال معاً باللِّيترجيَّة الإلهيَّة. الرِّياضة الشَّهريَّة واللِّقاء الشَّهري. الدَّورات التثقيفيَّة الكهنوتيَّة. الرِّياضة السَّنويَّة الكبرى. أعياد الكنائس والرَّعايا مجال للاحتفال معاً بالعيد. الاحتفال "بيوم الكاهن" سنويَّاً وفي كلِّ أبرشيَّة، حيث يلتقي فيه كهنة كنيستنا دوريَّاً، على مستوى بلدٍ من بلداننا العربيَّة، وعلى مستوى مشترك... وبهذه المناسبة نتبادل الخبرات الرَّعويَّة، نتعاون على حلِّ مشاكل مشتركة أو سِواها، نُقوِّي معنويات بعضنا البعض، نُعطي مثل المحبَّة والأُلفة والتَّضامن أمام رعايانا، نعود إليها بهمَّةٍ جديدة وعزمٍ وخبرات...
5_ كهنة على الطَّريق: يتميَّز كهنة الرُّوم الكاثوليك، والكاهن الشَّرقي عموماً بالقرب من الشَّعب، بخاصَّة من خلال الزيارات الرَّعويَّة. وقد سبق ذكرها في الكلام عن واجبات الكاهن الأساسيَّة.
أُحبُّ أن أُشدِّد على أهميَّة الزِّيارة الرَّعويَّة للبيوت. المؤمنون يُحبُّون أن يرَوا الكاهن في بيتهم. والمؤمنون يُحبُّون أن يرَوا الكاهن يسير على الطَّريق، على طرقهم، في حارتهم.
لكن من الضَّروري أن تكون الزِّيارة حقَّاً زيارة روحيَّة تفقديَّة، وليست زيارة اجتماعيَّة. ولذا من الضَّروري أن يضع الكاهن برنامجاً لزيارته بحيث لا تتعدَّى السَّاعة إذا طالت، ويغلب فيها العنصر الرُّوحي مثل قراءة الإنجيل المقدَّس، والمشاركة الإنجيليَّة، والاطمئنان عن "صحَّة العائلة الرُّوحيَّة". ويمكن أن نقول في الزِّيارة ما يدور من حوار بين الكاهن والشمَّاس في الاحتفال باللِّيترجيا الإلهيَّة: "إنَّه وقتٌ يُعمل فيه للرَّبّ!" وأيضاً ما يقوله بولس الرَّسول: "بشِّر في وقته وفي غير وقته".
فلنسِرْ على دروب الناس، لكي نُلاقي الناس، ونحمل إليهم بشارة يسوع الطَّريق والحياة.
6_ الكاهن المنفتح: كنيستنا الرُّوميَّة الكاثوليكيَّة المَلَكيَّة، كنيسة تميَّزت بالانفتاح في كلِّ أبعاده: تراثيَّاً، ثقافيَّاً، اجتماعيَّاً، حواريَّاً، شرقيَّاً، غربيَّاً، أرثوذكسيَّاً، مسيحيَِّاً، إسلاميَّاً. وموقعنا في الشَّرق المسيحي، وفي المجتمع العربي، ودورنا المسكوني عبر التاريخ. والتزامنا القضية الفلسطينيَّة بنوعٍ مميَّز في فلسطين وخارجها. كلُّ هذا إرثٌ عظيم، على الكاهن اليوم أن يُحافظ عليه ويُطوِّره من خلال عمله الرَّعوي، وخدمته الكهنوتيَّة، التي يجب أن تطال كلّ فئات المجتمع، وكلّ المواطنين، لكي يحمل إلى الجميع "نفحة المسيح الطَّيِّبة"، لا بل يكون هو نفسه هذه النَّفحة الطَّيِّبة.
7_ النُّموّ الكهنوتي الدَّائم: ولأجل تحقيق هذه الهدف، من المهمّ أن يعمل الكاهن في كنيستنا على التنشئة الدَّائمة. وقد عرضنا لها بإسهاب. وهي بدرجةٍ أولى مسؤوليَّة الكاهن، مع التَّشديد على دور الأسقف. عليه أن يغار على نفسه، وعلى نموِّه مثل يسوع: "في السِّن والحكمة والنِّعمة، أمام الله وجميع الشَّعب".(لوقا52:2) وبنوعٍ خاص أمام رعيَّته، حتَّى يبقى دائماً الرَّاعي والقائد والموجِّه والمربِّي والمرجع، يقود رعيَّته بجدارةٍ وكفاءَة إلى مراتع الحياة، وإلى طريق الخلاص، وإلى الملكوت.
8_ إسألوا ربَّ الحصاد أن يُرسِل فعلةً إلى كرمه: رعايانا منها الكبيرة ومنها الصَّغيرة في عدد مؤمنيها. وفي هذه وتلك نحتاج إلى عددٍ أكبر من الكهنة. عدد كهنة كنيستنا البطريركيَّة حوالي (400). في الواقع نحتاج إلى (800) ثمان مائة كاهن لكي نفي بواجب الرِّعاية. ولا ننسى المهاجر والانتشار، حيث الكثير من أولادنا هم في "عداد المفقودين" أو المختبئين... لا ندري من هم؟ وأين هم؟ وما هو مصيرهم الإيماني والرُّوحي؟... ونحن مسؤولون عنهم.
وعلى هذا بات من الواجب الملحّ والحتمي والمصيري، أن يعمل كلّ كاهن خاصَّةً في هذا العام، على ربح أو كسب دعوة كهنوتيَّة، أو رهبانيَّة جديدة.
ماذا نجد في الواقع؟ يوجد حاليَّاً في كلِّ أبرشيَّاتنا ورهبانيَّاتنا بين 50 و70 طالب كهنوت! وإذا أردنا أن نكون دقيقين في الحساب، فمن الواجب أن يكون عدد طلاب الكهنوت على أقلّ تعديل مساوياً لعدد الكهنة اليوم! أعني 400 طالب كهنوت لكي يحملوا الرَّاية الكهنوتيَّة المقدَّسة في المستقبل مكان الأربعمائة كاهن العاملين حاليَّاً في كنيستنا...
هذه مسؤوليَّة تقع علينا جميعاً، أساقفة وكهنة، رهباناً، وآباء وأمَّهات!
9_ أهميَّة الترنيم والفصاحة والبلاغة والخطابة: يتعلَّم كهنتنا الفلسفة واللاهوت والتاريخ والعلوم الكنسيَّة التي تُعدِّهم للرِّسامة الكهنوتيَّة. إنَّ إيصال هذا المخزون الرُّوحي واللاهوتي والتاريخي إلى الشعب يمرُّ عبر الاحتفالات باللِّيترجيا الإلهيَّة والصَّلوات الطَّقسيَّة وخدمة الأسرار المقدَّسة، والوعظ والإرشاد.
القناة والوسيلة لكلِّ هذا هو الترنيم والعظة وفن الفصاحة والخطابة والبلاغة، حتى تصل كلمة الله وبشرى الإنجيل ومعاني الصَّلوات إلى آذان المؤمنين وإلى قلبهم وإلى فكرهم ومن ثمَّ إلى حياتهم وإلى مجتمعهم.
وهذا فنٌّ وعلمٌ وتقنية! ولا يمكن أن يحصل عليها الكاهن إلا بالجهد الدَّائم والتمرين والاشتراك بالدَّورات المختصَّة. ولا يُعذَر أحد في عدم تحصيل هذه الكفاءَات الضروريَّة لرسالة الكاهن لكي يُعطي زرعُ كلمة الله ثمارَه المرجوَّة...
10_ الكاهن الفرِح: هو الكاهن الواثق السَّعيد. الكاهن المرتاح. المقتنع. الرُّوحاني. المؤمن. الواثق. الملتصق بدعوته الكهنوتيَّة بحبٍّ وحماسة. إنَّه مكرَّس بكلِّيَّته للمسيح. إنَّه كاهنٌ إلى الأبد. بدون عودة. ولا رجعة. ولا تردُّد. ولا ندامة. إنَّه مقدام. شجاع. معطاء. سخي. مضحٍّ. ملتزم. منفتح. بلا خوف. ولا عُقَدٍ نفسيَّة أو اجتماعيَّة أو عائليّة. وكما قال بولس الرَّسول: "إنَّه مستعدٌّ أن يُراقَ سكيباً على مذبح الله وخدمة رعيَّته".( 2 تيموتاوس 6:4)
هو سعيد فرِح في داخله. ويظهر ذلك أمام رعيَّته، وأمام كلِّ إنسانٍ ولجميع المواطنين وكلِّ من يقصده. ويظهر فرحه بخاصَّةٍ في الصَّلاة والوعظ والاحتفال باللِّيترجيا الإلهيَّة، والأسرار المقدَّسة، وفي رعايته للجمعيات المتنوِّعة القائمة في رعيَّته، وفي زيارته للبيوت، وفي مشاركته رعيَّته أفراحها وأتراحها والظُّروف المختلفة التي تمرُّ بها.
الفرح الكهنوتي مهمّ جدَّاً. وكذلك الحماسة في حمل بشرى الإنجيل المقدَّس. وفي التواصل مع المجتمع، ومع المواطنين من مختلف المشارب والمعتقدات. كما أنَّ هذا الفرح سيجذب الشباب خاصَّةً وهم مستقبل الكنيسة، وموضوع اهتمام مميَّز في خدمة الكاهن ورعايته. لا بل فرح الكاهن في دعوته وخدمته، هو حافزٌ كبير لاجتذاب دعوات كهنوتيَّة لدى الشباب!
كان يُقال عن القدِّيس أنطونيوس أبي الرُّهبان في مصر: كان الزَّائرون والرُّهبان يرون وجه الله في وجه أنطونيوس الفرِح!.
وكان القدِّيس سيرافيم ساروف الرُّوسي، يستقبل زوَّاره في صومعته الرَّهبانيَّة النُّسكيَّة بهذه العبارة: "يا لفرحتي! المسيح قام". (راجع رسالتنا لفصح عام 2007 بهذا العنوان: "يا لفرحتي! المسيح قام" وفيها أشرح أسباب فرح المسيحي المؤمن انطلاقاً من فرحة القيامة).
وتتردّد عبارات الفرح تكراراً في صلواتنا. هكذا تنتهي صلاة الغروب بنشيد القديس سمعان السعيد بلقاء الرب : "الآن تطلق عبدك أيها السيد! فإنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك". (لوقا 3:2)
وتنتهي ليترجيا القديس يوحنا الذهبي الفم بهذه الصلاة: إملأ قلوبنا فرحاً وسروراً كل حين!... ولتمتلىء أفواهنا من تسبحتك يا رب! احفظنا في القداسة لنشيد بمجدك ونهزّ النهار كلّه ببرّك". ويشهق القديس باسيليوس في ختام الليترجيا: لقد تمتّعنا بنعيمك الذي لا يونفدْ."
وننشد معاً : " لقد نظرنا النور الحقيقي وأخذنا الروح السماوي! ووجدنا الإيمان الحق".

 

بولس الرَّسول يُكلِّمنا في عام الكاهن
 

لقد سبق عام بولس عامَ الكاهن. ولذا رأينا من المفيد أن نُضيف إلى رسالتنا هذه، آيات من رسائل بولس الرَّسول، يتوجَّه بها إلى الأساقفة والكهنة والشمامسة بعبارتٍ مؤثِّرة جدَّاً. وهي واضحة لا تحتاج إلى تعليق. بل تُعتبر مرجعاً روحيّاً للكاهن، ولإنارة حياته وخدمته.


 
القصد الإلهي في عمل الفداء
دعوة البشريَّة الشَّاملة إلى القداسة

 

تبارك الله، أبو ربِّنا يسوع المسيح، الذي غمرنا، من علياء سمائه، بكلِّ بركةٍ روحيَّة في المسيح؛ إذ فيه قد ?ختارنا عن محبَّة، من قبل إنشاء العالم، لنكون قدِّيسين، وبغير عيبٍ أمامه؛ وسبق فحدَّد، على حسب مرضاته، أن نكون له أبناء بيسوع المسيح، لتمجيد نعمتهِ السَّنية، التي أنعم بها علينا في الحبيب؛ وفيه لنا الفداء بدمه، ومغفرة الزَّلات، على حسب غِنى نعمته، التي أفاضها علينا بملء الحكمة والفطنة، بإعلانه لنا، على حسب مرضاته، سرَّ مشيئته، الذي سبق فقصده في نفسه، ليُحقِّقه عند تمام الأزمنة، أي أن يجمع تحت رأسٍ واحد، في المسيح كلَّ شيء ما في السَّموات، وما على الأرض؛ وفيه أيضًا دُعينا وقد اصطُفينا من قبل، بمقتضى قصد من يعمل كلَّ شيء حسب مرضاته، لنكون تسبحةً لمجده، نحن الذين سبقوا فأناطوا رجاءهم بالمسيح. (أفسس 1 :3 – 12)

 

 
صلاة بولس رسول الأمم

أسألكم (أيُّها الإخوة) أن لا تفشلوا بسبب مضايقي التي أعانيها لأجلكم: فإنّها مجدكم!
لذلك أحني رُكبتيَّ أمام الآب، الذي منه تنبثق كلُّ أسرةٍ في السَّماوات وعلى الأرض، ليهب لكم، على حسب غِنى مجده، أن تتأيّدوا بقوّة روحه، في الإنسان الباطن. ليحلّ المسيح بالإيمان في قلوبكم، حتى إذا ما تأصّلتم في المحبَّة، وتأسّستم عليها، تستطيعون مع جميع القدِّيسين، أن تدركوا من محبّة المسيح، ما العرضُ والطّول، والعلوُّ والعُمق. أن تدركوا تلك المحبّة التي تفوق كلَّ إدراك، فتمتلئوا هكذا من كلِّ ملء الله.
فللقادر أن يصنع، بقدرته العاملة فينا، ما يفوق جدّاً كلَّ ما نسأل أو نتصوّر، المجد في الكنيسة، وفي المسيح يسوع، إلى جميع الأجيال، وإلى دهر الدّهور! آمين. (أفسس 3: 13-21)


إلى الأساقفة
 

وداع بولس لأساقفة أفسس في ميليتس

"من ميليتس بعث (بولس) فاستدعى كهنة الكنيسة. ولمَّا وصلوا إليه قال لهم: "أنتم تعلمون كيف كانت سيرتي معكم كلَّ الزَّمان ... فقد خدمتُ الرَّبَّ بكلِّ تواضع، في الدُّموع وفي البلايا... وتعلمون أنِّي لم أُقصِّر في شيءٍٍٍ مما هو مفيدٌ لكم، واعظًا إيَّاكم ومعلِّمًا في الجهر، وفي البيوت، ومناشدًا اليهود واليونانيِّين، أن يتوبوا إلى الله، ويؤمنوا بربِّنا يسوع... والآن فإني عالمٌ بأنَّكم لن تشاهدوا بعدُ وجهي...
فلذلك أشهدُ لكم اليوم، بأنِّي بريءٌ من دم الجميع، لأنِّي لم أُهمل قطّ، أن أخبركم بمقاصد الله كلِّها.
"إحذروا لأنفسكم ولجميع القطيع، الذي أقامكم فيه الرُّوح القدس أساقفة، لترعَوا كنيسة الله التي ?قتناها بدمه الخاصّ... ف?سهروا إذن وتذكَّروا أنِّي... لم أكفَّ ليلاً ونهاراً، عن نصح كلِّ واحدٍ بالدُّموع"
والآن، أستودعكم الله وكلمة نعمته، هو القادر أن يبني، وأن يؤتيكم الميراث مع جميع القدِّيسين. إنِّي لم أشتهِ من أحدٍٍٍ فضَّةً أو ذهبًا أو ثوبٍاً، وأنتم أنفسكم تعلمون، أنَّ هاتَين اليدَين، كانتا تخدمان حاجاتي، وحاجات الذين كانوا معي. ولقد بيَّنتُ لكم في كلِّ شيء، أنَّه هكذا ينبغي أن نتعب لنساعد الضُّعفاء، متذكِّرين كلام الرَّبِّ يسوع حيث قال: إنَّ العطاء أعظمُ غبطةً من الأخذ." أعمال 20: 17-35


"يجب أن يكون الأسقف بغير مشتكى... صاحياً، رزيناً، مهذَّباً، مضيفاً للغرباء، وقادراً على التَّعليم، غير مدمنٍ الخمر ولا منازعاً، بل حليماً، مسالماً، زاهداً في المال، يُحسن تدبير بيته الخاصّ، ويضبط أولاده في الخضوع بكلِّ أدب... ولا يكُنْ حديث العهد في الإيمان؛ ولا بدَّ أيضاً أن تكون في حقِّه، شهادةٌ حسنةٌ من الذين في الخارج، لئلا يسقط في العار، وفي فخِّ إبليس". 1 تيم 3: 2-7

"إنَّ الأسقف بوصفه وكيلاً لله، يجب أن يكون بلا لوم. لا معجباً بنفسه ولا غضوباً، ولا مدمناً للخمر، ولا شرِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِساً، ولا حريصاً على المكسب الخسيس؛ بل مضيفاً للغرباء ومحبَّاً للخير، رزيناً، عادلاً وبارَّاً، عفيفاً، متمسِّكاً بالكلام الحقّ على مقتضى التَّعليم، ليتسنَّى له أن يعظ بالتعليم الصحيح، ويُفحم المناقضين". تيطس 1: 7-9

 
إلى الكهنة
 

"إنَّ الكهنة الذين أحسنوا التَّدبير، فليُحسَبوا أهلاً لكرامةٍ مضاعفة، ولا سيَّما الذين يتعبون في الكلمة والتَّعليم. إنَّ العامل مستحقٌّ أجرته. لا تقبل شكوى على كاهنٍ إلا على شهادة اثنين أو ثلاثة، والذين يخطأون وبِّخُهم أمام الجميع، لكي يخاف الباقون".1 تيم 5: 17-19

(يا ولدي تيموثاوس) "أُذكِّركَ أن تُذكِّي فيك الموهبة، التي آتاكها الله بوضع يديّ. إنَّ موهبة الله هذه ليست روح فزع، بل هي روح قوَّة ومحبَّة و?متلاك للنَّفس. فلا تخجل إذن بتأدية الشَّهادة لربِّنا، ولا بي أنا أسيره. بل ?شترك معي في مشاقِّ الإنجيل، بقوَّة الله...
فتمسَّك إذن بصورة الكلام الصَّحيح، الذي سمعته منِّي، في الإيمان والمحبَّة اللَّذَين في المسيح يسوع؛ و?حفظ الوديعة الصَّالحة، بعون الرُّوح القدس السَّاكن فينا".2 تيم 1: 6-14

(يا ولدي تيموثاوس) "ناشد أمام الله أن يُعرَضَ عن المماحكات الكلاميَّة، لأنَّها لا تصلُح لشيء إلا لأن تهدم سامعيها. إجتهد أن تسلك أمام الله كرجلٍ مختبر، كعامل ليس عليه ما يوجب الخجل، يُفصِّلُ كلمة الحقِّ بإحكام؛ و?جتنب الأحاديث الدُّنيويَّة الجوفاء، لأنَّ أصحابها لا يزيدون بها إلا نِفاقاً. إنَّ الرَّبَّ يعرف من هو له، وليتباعد عن الإثم، كلُّ من ينطق ب?سم الرَّبّ".2 تيم 2: 14-19

"إكرزْ بالكلمة، و?عكف على ذلك في وقته وفي غير وقته؛ حاجج ووبّخ و عِظْ بكلِّ أناةٍ، وبجميع أساليب التعليم. تيقَّظْ في كلِّ شيء، و?حتمل المشقَّة، و?عمل عمل المبشِّر، وأوفِِ خدمتك".2 تيم 4: 2-5

 
نصيحة إلى كلِّ كاهنٍ في رعيَّته

أمَّا أنت، يا رجل الله، ف?هرب من ذلك كلِّه (الممحاكات، والحسد والخصام والتجاديف والمنازعات...). إقتفِ العدل والتَّقوى والإيمان، والمحبَّة والصَّبر والوداعة. جاهد جهاد الإيمان الحسن، وفُزْ بالحياة الأبديَّة التي دُعيتَ إليها، ومن أجلها ?عترفت بالإيمان الاعتراف الحسن، أمام شهودٍ كثيرين.
وأُوعِِزَ إليك أمام الله، الذي يُحيي كلَّ شيء، وأمام المسيح يسوع، الذي أدَّى لدى بنطيّوس بيلاطس، شهادته الرَّائعة، بأن تحفظ الوصيَّة بلا عيبٍ ولا لوم، إلى تجلِّي ربِّنا يسوع المسيح، الذي سيبديه في أوانه السَّعيد والسَّيِّد الأوحد، ملك الملوك وربّ الأرباب، الذي له وحده الخلود، ومسكنه نورٌ لا يُدنى منه، الذي لم يره إنسان، ولا يقدر أن يراه؛ له الكرامة والعزَّة على الدَّوام، آمين. 1تيم 6 : 11 -16

 
إلى الشمامسة
 
"ليكنْ الشمامسة أدباء لا ذوي لسانَين، ولا مولعين بالإكثار من الخمر، ولا ذوي حرص على المكسب الخسيس؛ وليحفظوا سرَّ الإيمان في ضمير طاهر. ليختبروا أوَّلاً، ثمَّ يباشروا الخدمة إن وُجِدوا بغير لوم، وكذلك النِّساء الشمَّاسات، فليكُنَّ أديبات، غير نمَّامات، صاحيات، أمينات في كلِّ شيء. 1 تيم 3: 8-12

"ليكن الشمامسة ممن تزوَّجوا مرَّةً واحدة، يُحسنون تدبير أولادهم، وبيوتهم الخاصَّة".1 تيم 3: 12

 
إحفظ الوديعة

يختصر القدِّيس بولس تعاليمه وتوجيهاته لتلميذه تيموثاوس بهذه الوصيَّة والأُمنية والدُّعاء "إحفظ الوديعة" (1 تيموثاوس 20:6).
وبهذه الآية وببعض فقرات من توجيهات بولس الرَّسول أختم هذه الرِّسالة الأبويَّة والأخويَّة إلى أبنائي الكهنة. لا بل هي وصايا وأماني وأدعية وتوجيهات صالحة لفائدة جميع المؤمنين.
وأحب أن أختبئ وراء بولس، لأنَّ عام الكاهن مرتبط بعام بولس الرَّسول، كما أشار إلى ذلك قداسة البابا لدى إعلانه عام الكاهن ولماّ تنتهي سنة بولس الرَّسول.
وأحبّ أن أختبئ وراء بولس الرَّسول الذي هو الرَّسول والرَّاعي والكاهن والأسقف بامتياز، لكي تكون رسالتي مرتكزة على إيمان بولس وتعاليمه. وهي في خطّ التقليد الرَّسولي، الذي وصلنا اليوم في الألفيَّة الثالثة في نقائه ونصاعته. ونحن الكهنة مسؤولون عنه، كما يقول لنا الأسقف الرَّاسم: "خذ هذه الوديعة. واحفظها إلى مجيء ربِّنا يسوع المسيح، لأنَّه مزمعٌ أن يسألك عنها".
وأختبئ وراء بولس لكي أحاول أن أعبِّر عن غَيرتي على إخوتي الكهنة ومحبَّتي لهم وافتخاري بهم وشكري لهم، بنفس عواطف بولس، وحرارته وحماسته وغَيرته ومحبَّته، وقناعتي أنَّهم إلى جانبي وجانب إخوتي الأساقفة، ونحن وهم مسؤولون اليوم مسؤوليَّة جسيمة عن حفظ وديعة الإيمان سالمة، في قلوب أبنائنا وبناتنا، لا بل في المجتمع بأسره. إنَّنا مسؤولون عن إتيان ملكوت الله على الأرض. نحن معاً مسؤولون عن رسالة يسوع، ورسالة الكنيسة التي أسَّسها يسوع. مسؤولون عن خلاص المجتمع، عن خلاص كلِّ نفس من نفوس رعايانا. إنَّنا مسؤولون عن خلاص العالم مع يسوع!
ومثل بولس نتوجَّه إلى إخوتنا الكهنة، وإلى أبنائنا وبناتنا في عيد الميلاد المجيد مُهنِّئين إيّاهم وقائلين لهم: احفظ الوديعة! احفظوا الوديعة! ومع بولس نُحرِّضهم بكلمات بولس، وبمحبَّته: "أُحرِّضُكُم، أيُّها الإخوة، بمراحم الله، أن تُقرِّبوا أجسادكم ذبيحةً حيَّة، مقدَّسة، مَرضيَّة لله؛ تلك هي العبادة التي يقتضيها العقل منكم. ولا تتشبَّهوا بهذا العالم؛ بل تحوَّلوا إلى صورة أخرى بتجديد عقلكم، لكي يتهيَّأ لكم أن تميِّزوا ما مشيئة الله، وما هو صالح، وما يُرضيه، وما هو كامل".
ولتكنْ المحبَّة بلا رئاء؛ أُمقتوا الشَّرّ، و?عتصموا بالخير. أحبُّوا بعضكم بعضاً حبَّاً أخويَّاً، وليحسبْ كلُّ واحدٍ الآخرين خيراً منه؛ كونوا على غير توانٍٍ في الغَيرة، وعلى ?ضطرامٍ بالرُّوح: فأنتم تخدمون الرَّبّ؛ وليكن فيكم فرح الرَّجاء؛ كونوا صابرين في الضِّيق، مواظبين على الصَّلاة؛ أبذلوا للقدِّيسين في حاجاتهم؛ و?عكفوا على ضيافة الغرباء". ( روما 12: 1-13).

 

ومع بولس ندعوكم إلى الوحدة والتعلّق بالإيمان المستقيم!
 

"أُحرِّضُكُم إذن، أنا الأسير في الرَّبّ، أن تسلكوا مسلكاً يليق بالدَّعوة التي نُدِبتُم إليها: بكلِّ تواضعٍ ووداعةٍ وصبر. إحتملوا بعضكم بعضاً بمحبَّة. إجتهدوا في حفظ وحدة الرُّوح برباط السَّلام: فإنَّ الجسد واحد، والرُّوح واحد، كما أنَّكم، بدعوتكم، قد دُعيتُم إلى الرَّجاء الواحد؛ وإنَّ الرَّبَّ واحد، والإيمان واحد، والمعموديَّة واحدة، والإله واحد، والآب واحد للجميع، وهو فوق الجميع، وخلال الجميع، وفي الجميع.
على أنَّ النِّعمة قد أُعطيت لكلِّ واحدٍ منَّا، على مقدار موهبة المسيح... وهو الذي "أعطى بعضاً أن يكونوا رسلاً، وبعضاً أنبياء، وبعضاً مبشِّرين، وبعضاً رُعاةً ومعلِّمين؛ مُنظِّماً هكذا القدِّيسين لأجل عمل الخدمة، في سبيل بنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى الوَحدة في الإيمان، وفي معرفة ?بن الله، إلى حالة "الإنسان" البالغ، إلى ملء ?كتمال المسيح."

"لقد قمتم مع المسيح. ف?طلبوا إذن ما هو فوق، حيث يُقيم المسيح جالسًا عن يمين الله.
أميتوا إذن أعضاءكم الأرضيَّة: الزِّنى، والنَّجاسة، والأهواء، والشَّهوة الرَّديئة؛ والطَّمع الذي هو عبادة وثن".
"إطرحوا كلَّ هذا: الغضب والسُّخط والخبث، والتَّشهير، والكلام القبيح من أفواهكم. ولا يكذب بعضكم بعضاً.
ف?لبسوا إذن، أنتم مختاري الله، وقدِّيسيه وأحبَّاءه، أحشاء الرَّحمة، واللُّطف والتواضع، والوداعة والصَّبر.
إحتملوا بعضكم بعضاً وتسامحوا... وكما أنَّ الرَّبَّ سامحكم، سامحوا أنتم أيضاً.
وفوق كلِّ شيءٍ ?لبسوا المحبَّة، التي هي رباطُ الكمال.
وليَسُدْ في قلوبكم سلام المسيح... وكونوا شاكرين." (أفسس 4 : 1-16) متفرق
مهما أخذتم فيه من قولٍ وفعل، فليكنْ الكلَّ ب?سم الرَّبِّ يسوع، شاكرين به لله الآب".( كولوسي 3: 1-17)

 
مديح يوحنا الذهبي الفم
 

لقد وضعتُ اللمسات الأخيرة لهذه الرسالة عشية عيد القديس يوحنا الذهبي الفم وقد احتفلت بالغروب مع طلاّب إكليريكية القديسة حنّة الأحبّاء ( الربوة) مستقبل كنيستنا في أبرشيتنا المباركة. ولذا أحب أن أضيف هذا النشيد لمديح هذا القديس الذي أعلنه بيوس العاشر شفيعاً للخطباء المسيحيين. فهي خاتمة لهذه الرسالة ووصف رائع لخدمة الكاهن ورسالته .
" لقد سطعتْ نعمة فمك كمصباح فأنارت المسكونية... إفرح يا أبا الأيتام وعون المظلومين السريع ومنجد البائسين وقوت الجياع. يا تقويم الخطأة وطبيب النفوس الحاذق الفائق المهارة. الموضح كتب الروح بتدقيق وحسن بيان. فيا أيّها الناموس العملي والقانون الدقيق النظر والعمل اللذان هما غاية الحكمة. إبتهل إلى المسيح أن يمنح نفوسنا الرحمة العظمى".

 
مريم فخر الكهنة

وحسب تقليدنا الشَّرقي لا يمكننا أن نُنهي صلاةً أو نشيداً، إلاّ ويكون لمريم العذراء ذكر وطلب شفاعة وبركة.
ولذا يطيبُ لنا أن نُنهي رسالتنا إلى كهنتنا الأحبَّاء بذكر مريم العطِر، أمّ الكهنة، ومربِّية نفوس القدِّيسين. ونقول لها:
السَّلامُ عليكِ يا من تملأ شباك الصَّيادين (الرُّسل والكهنة).
السَّلامُ عليكِ يا حياة الوليمةِ السِّرِّيَّة.
السَّلامُ عليكِ يا فخراً أثيلاً للكهنة الورعين.
السَّلامُ عليكِ يا برج الكنيسة الذي لا يتزعزع.
السَّلامُ عليكِ يا شِفاء جسدي.
السَّلامُ عليكِ يا خلاص نفسي.
السَّلامُ عليكِ يا من أظهرتِ المسيح الرَّبّ المحبَّ البشر.

ميلاد مجيد وعام سعيد !
مع محبتي وبركتي ودعائي

 

غريغوريوس الثالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك