صاحب الغبطة يوسف

تهنئة بعيد الفطر 2008

١ ١٠ ٢٠٠٨


 



 

سبق أنّ قدّمنا التهاني بإطلالة شهر رمضان واليوم نفرح مع إخوتنا المسلمين في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وفي كل البلاد العربية، ونعيّد معهم عيد الفطر السعيد، وقد شاركنا معهم بصوم يوم واحد، ولكن أيضاً بكل مظاهر العيد في وسائل الإعلام وفي الاحتفالات الشعبية وفي المشاركة في الإفطارات وبتقديم إفطار في الدار البطريركية. واليوم نقدّم لهم أجمل التهاني الأخويّة القلبيّة، كما نقدّم لهم هذه الكلمة الروحية التي تساعد على توطيد العلاقات الوطنيّة والدينيّة والاجتماعية والثقافية والحضارية والإنسانية الصادقة.
نستقي هذه الكلمة الروحية من رسالتنا بعيد الميلاد لعام 2007، بعنوان:" الكلمة صار جسداً ، إنّنا نعتبر أنّ كلمة الله في المسيحيّة والإسلام هي من أهم عوامل اللقاء والعيش معاً والاحترام المتبادل. وفي هذا، تكون كلمتنا صدى للدعوة القرآنية الكريمة :" هلموا إلى كلمة سواء".
" الحوار بين المسيحيّين والمسلمين
هلّموا إلى كلمة سواء! فلنتخاطب بكلمات إيماننا الجميل. لأنّ الكلمة التي أعطاني إياها الله في إيماني المسيحيّ هي لي. ولكن ليست لي فقط! هي لمجتمعي، لإخوتي البشر! عليَّ أن أحملها لهم نورًا! محبّة! إشعاعًا! دعوة محبّة! علامة رجاء للآخر لكي ينمو في دينه ومعتقده ويتعمّق فيه، وليس لكي يحتقره أو أنا أحتقره!
إنه من الأهمية على جانب كبير أن يُحبَّ كل إنسان دينه، "كلمة الله" له. ويتعرّف عليه، ويتعمّق فيه، ويحافظ عليه ويدافع عنه. ولكن عليه أن يكون منفتحًا على الآخر وعلى معتقده وإيمانه. وإلاّ وقعنا في النسبيّة التي هي أكبر أعداء الإيمان المسيحي والإسلامي.
يسوع يدعو تلاميذه إلى التبشير به قائلاً: "إذهبوا إلى العالم أجمع. وتلمذوا جميع الأمم" (متى 28: 19). ويحرّضنا بولس الرسول (مخاطبًا تلميذه ثيموتاوس): "بشِّر (بالكلمة) في حينه وفي غير حينه" (1 تيم 4: 2).
لا احتكار لكلمة الله! إنها لي وللآخر! عالمنا المسلم يخاف التبشير! ولكنّه يدعو إلى التبشير بالإسلام. إننا نطالب مواطنينا المسلمين أن تعطى لنا حرّيّة حمل البشارة الصالحة إلى الآخر، بمحبّة واحترام، وتقدير لإيمان الآخر. ولا نطلب من الآخر أن يعتنق إيماننا! يكفي أن يكتشف إيماننا، ويقدّره، ويحبّه. أما الهداية فهي عمل الله. لا تهدِ حبيبًا! الله يهدي من يشاء!
كلمة الله لي هي وحيُه لي! ولكنها ليست لي فقط! بل علينا أن نشارك الآخر فيها. علينا أن يكون بيننا خبز وملح! ولا يُهمّني الخبز والملح والقهوة بيننا! بل يُهمّني كيف نتقاسم كلمة الله في المسيحيّة والإسلام واليهوديّة. كيف نغذّي بعضنا بعضًا بكلمة الله! لأنّ كلمة الله هي الخبز الجوهريّ (أعطِنا خبزنا الجوهري). صلاة الأبانا هي دعوة إلى المشاركة بكلمة الله!
نشكر الله على العلاقات الكثيرة الجميلة بين المسيحيّين والمسلمين، بخاصّة في الحياة اليوميّة. ولكنّني أطلب أن نشارك بكلمة الله! هذا ما يجمعنا! و يوحِّدنا! ويقوّينا! ويقوّي إيماننا! لا نخف أن نحبَّ كلمة الله عند أخينا! لا نخف من الآيات القرآنيّة ولا نخف من آيات الإنجيل المقدّس! أو التوراة! إنّها كلمة الله لنا كلّ حسب دعوته. وأقول لإخوتي المسلمين لا تخافوا من إيماننا. بل بالحريّ علينا أن نخاف من كلماتنا الحاقدة! الناقدة! المتكبرة! المتعالية! كلمة الله لا تحتقر! لا تتكبر! لا تنتفخ! لا تتباهى. لا تفرح بالسوء بل تفرح بالحقّ. لا تحبّ الإساءة! لا تفرح بالظلم! بل تفرح بالحب! تصدّق كل شيء (1كو 12).

كلمات الله وكلمات الناس
لنحبَّ كلمة الله. فإنَّ كلمات الله لنا جميعًا! فلنتقاسمها ولنتغنِّ بها! ولنحبّها! ولتكن لنا كلمات لودّنا وعيشنا المشترك وتعايشنا! وتواصلنا! بدل أن نتغنّى بكلمات المجاملة الفارغة والكاذبة والمتملّقة. فلنتغذَّ بها ولنغذِّ بعضنا بعضًا بأجمل كلمات الأرض، ألا وهي كلمات السماء! كلمات الله لأبناء البشر. فالله غنّي وكلماته كلمات منعشة لنا كلنا! لا نخف من كلمات الله بل لنخف من كلمات الناس! ولنعمل لكي تتحوّل كلمات الناس إلى كلمات الله!
أقترح أن نؤسس منتدى باسم "منتدى كلمة الله" حيث يجتمع مسيحيّيون في ما بينهم ومسيحيّون ومسلمون. ويتحاورون حول كلمة الله.
غيرتنا على كلمة الله يجب أن تكون أولاً أداة لتقديسنا وتعمُّقنا في إيماننا. ولا يجوز أن تتحوّل غيرتنا على كلام الله وتعاليمه أداة وسلاحًا لاستغلال الآخر، أو الحكم عليه أو اضطهاده أو إرغامه على اعتناق ديننا. كما لا يجوز أن تصبح كلمة الله مصدر صراع بين المؤمنين وأصحاب المعتقدات المتنوّعة، ولا أن تصبح أداة إرهاب أو مفاضلة باطلة.
فكلمة الله هي الحَكَمُ وليس نحن، بالنسبة لمن لا يؤمن بإيماننا.
وأقول لإخوتي المسلمين لا تخافوا من إيماننا. بل خافوا من عدم إيماننا! من عاداتنا التي لا تحبّونها. ولاخوتي المسيحيين أقول: لا تخافوا من المسلمين المؤمنين الذين يحفظون كلمة الله! "
بعد أن نشرتُ هذه الرسالة الميلاديّة كتب أحد المعلّقين الصحفيين: هذا هو التعبير الصافي الذي يحبّ أن يسمعه الكثيرون من المسيحيين والمسلمين في كثير من البلاد العربية، وهذا الخطاب الفصيح الصريح، الصادق والواضح هو الذي يؤسّس لعلاقات مسيحيّة إسلامية سليمة تساعدنا، مسيحيين ومسلمين، على متابعة المسيرة معاً، مسيرة ال 1429 سنة ميلادية وهجرية مسيحية وإسلامية!
هذه هي " الكلمة السواء" التي يدعو إليها القرآن الكريم ! وهذه هي العبارة التي هي عنوان رسالة العلماء والشيوخ والفقهاء المسلمين المئة والثماني والثلاثين التي وجّهوها إلى قداسة البابا بندكتوس السادس عشر. وكلّنا بحاجة إلى هذه الكلمة السواء التي تجعلنا نكمّل معاً المشوار الطويل الجميل، هذه الكلمة السواء هي التي تجعل أعيادنا أعياد كلّنا مسيحيين ومسلمين000
هذه الكلمة السواء هي التي تخفّف من وطأة الهجرة التي تنزف منها أوطاننا العربية، وتهجر معها فرص العيش المشترك والتقدم والأمن والأمان والازدهار والعز والسؤدد والكرامة0
هذه الكلمة السواء هي التي تحتاج وتفتقر إليها أوطاننا التي يجب أن تطلّ على آمال وآفاق وأماني الأجيال الشابة الطالعة، والتي تشكّل ستين بالمئة من مجتمعنا العربي، من أصل ثلاثماية مليون عربي أغلبيّتهم مسلمون.
هذه الكلمة السواء هي التي تنقذ عالمنا العربي المشترك مسيحيين ومسلمين، من الأصولية والإرهاب والعنف والقتل البغض والكراهية والعداء.
هذه الكلمة السواء هي مستقبل المسيحية والاسلام سواء بسواء.
ليكن رمضان هذا العام انطلاقة متجدّدة للحوار واللقاء والمودّة والتضامن والتكارم والتقدير والقبول المشترك والسير معاً والآفاق الجديدة في مشرقنا العربي، مهد المسيحية ومهد الاسلام سواء بسواء. وهذا هو التحدّي الأكبر : هل يتابع أولاد هذا المهد الواحد، في الشرق الواحد، مسيرتهم إلى ما شاء الله وكما يشاء الله الذي هو محبة ويحب جميع أبنائه مسلمين ومسيحيين؟
إنّ كلمة الله في المسيحيّة والاسلام لها قدر كبير فائق القوة، لكي تجعلنا مسيحيين ومسلمين، نحبّ بعضنا بعضاً، ونتعاون ونتضامن ونبني معاً عالماً عربيّاً جميلاً، نبني معاً حضارة المحبة وثقافة الانسان الحقيقيّة، إذا نحن أحببنا بعضنا، مسيحيين ومسلمين في المشرق العربي، فالحب سيعمّ العالم0وإذا نحن تعادينا، فالعالم سيعيش في العداء. وإذا نحن تباغضنا، فسيكون العالم في جحيم البغض. وإذا تعادينا فالعالم كلّه سيغرق في بحر العداوات000
وإذا نحن تنابذنا وتحاربنا، فسنشق العالم وتحرقه نار الحروب. وكما غنّت فيروز عن القدس:
" حين هوت مدينة القدس، مكان القدسية والحب والحق والإيمان والحياة والقيامة000تراجع الحب وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب!" إذ ذاك يصبح العالم بلد الحرب وأرض الحرب، بدل أن يكون بلد الحب وأرض المحبة وموطن السلام". لا بل علينا أن نبني من خلال تضامننا ومحبّتنا نموذحاً للعيش المشترك والحوار واللقاء للعالم أجمع.     
وكما كانت بلادنا المشرقية مهد الأديان، هكذا نحن اليوم مدعوون في منطقتنا العربية أن نقدّم للعالم أجمع نموذج لأجمل حياة في أجمل عالم.
هذه هي أمانينا وكلمتنا السواء لأخوتنا الأحبّاء المسلمين في العالم العربي.

وكل عام وأنتم بخير!