صاحب الغبطة يوسف
رسالة الصوم 2012
غريغوريوس
برحمة الله تعالى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والاسكندريَّة وأورشليم
النِّعمةُ الإلهيَّة والبركة الرَّسوليَّة
تشملان إخوتنا السَّادة المطارنة، أعضاءَ المجمع المقدَّس،
وسائر مؤلِّفي كنيستنا الرُّوميَّة المَلَكيَّة الكاثوليكيَّة، في البلاد العربيَّة وبلاد الانتشار،
إكليروسًا وشعبًا،
وتحلاّن عليهم.
"أُدخلْ مخدَعَكَ، وصلِّ"
رسالة صاحب الغبطة
البطريرك غريغوريوس الثالث
بمناسبة الصَّوم الأربعيني الكبير المقدَّس
20 شباط 2012
"أُدخلْ مخدَعَكَ، وأغلقْ بابك، وصلِّ إلى أبيك في الخفية" (متَّى 6:6)
هذه هي دعوة السَّيِّد المسيح يوجِّهها لتلاميذه. وبها أتوجَّه إلى أبناء وبنات كنيستي الرُّوميَّة الملَكيَّة الكاثوليكيَّة، في مطلع الصِّيام الأربعيني الكبير المبارك. إنَّه يفتح لنا أبوابًا واسعة، كما نصلِّي في النشيد الذي نترنَّم به في صلاة سَحَر آحاد الصَّوم:"إفتحْ لي أبوابَ التَّوبة يا واهبَ الحياة. لأنَّ روحي تُبكِّرُ إلى هيكلِكَ المقدَّس. حاملةً هيكلَ جسدي مُدنَّسًا بجملتهِ. لكن بما أنَّكَ مُتعطِّف. نقِّني بتحُّننِ مراحمِكَ".
هذه الدَّعوة هي واحدةٌ من الدَّعوات الكثيرة التي وجَّهها السَّيِّد المسيح إلى تلاميذه في ذلك الزَّمان. واليوم يوجِّهُها إلينا في هذا الزَّمن المقبول زمن الخلاص، داعيًا إيَّانا إلى التعمُّق في حياتنا الرُّوحيَّة.
وتلبيةً لهذه الدَّعوة كان الرُّهبان يتركون أديارهم يوم الإثنين مطلع الصَّوم (ويسمَّى لذلك إثنين الرَّاهب) وينزحون إلى القفار للصَّلاة والخلوة.
أنقل بعض الآيات والمواقف من الكتاب المقدَّس كمدخل لرسالتي ولكي تكون موضوع تأمُّل روحيّ في أيام الصَّوم الأربعيني المبارك.
- "وقام قبل الفجر مبكِّرًا، فخرج وذهب إلى مكان قفرٍ وأخذ يصلِّي هناك" (مرقس 35:1)
- "هلمُّوا إلى مكانٍ قفرٍ واستريحوا قليلاً" (مرقس 31:6)
- "وكانت مريم تحفظ هذا الكلام وتعيهِ في قلبها" (لوقا 19:2)
- "وذهب إلى الجبل ليصلِّي. فقضى ليله كلَّه في الصَّلاة" (لوقا 12:6)
- "واتَّفق أنَّه كان يصلِّي في عزلةٍ وتلاميذه معه" (لوقا 18:9)
- "وفيما هو (يسوع) يصلِّي تغيَّر وجهه" (لوقا 29:9)
- "ونأتي إليه ونجعل عنده مقامنا" (يوحنَّا 23:14)
- "المرأة الخاطئة تُقبِّل بصمتٍ قدَمَي السَّيِّد" (لوقا 7: 37- 38)
- "جمالُ ابنة الملك من الدَّاخل" (مزمور 13:45)
- "مَن لي بجناحَين كالحمامة، فأطيرَ وأستريح" (المزمور6:55)
- "إيليَّا يرى الله ويسمعُه في النَّسيم الخفيف وليس في العاصفة" (الملوك الأوَّل 12:19)
- "يونان في جوفِ الحوت يكتشف دعوة الله!" (يونان 2: 7و9)
- "أسمعُ ما ينطق فيَّ الرَّبُّ الإله، لأنَّه ينطق بالسَّلام لشعبه" (المزمور 84)
- "آتي إليهم وأسكن فيما بينهم. وأكون لهم إلهًا ويكونون لي شعبًا" (حزقيال 27:37)
وهل ننسى الدَّعوات الملحَّة إلى الهدوء والخلوة والصَّمت في صلواتنا؟
وهذه بعضها:
- "ليصمُتْ كلُّ جسدٍ بشريّ..." (سبت النُّور)
- "لنطرحنَّ كلَّ اهتمامٍ دنيويّ"
- "لنقفْ بخوفٍ وورع..."
- "الحكمة، فلنصغِ"
وهذه وصيَّة القدِّيس باسيليوس للكاهن أثناء الاحتفال باللِّيترجيَّة الإلهيَّة، وهي معبِّرةٌ جدًّا، وهذه مقاطع منها:
"أيُّها الكاهن!
إسعَ أن تعمل بحرصٍ وأمانة مفصِّلاً كلمة الحقِّ بإحكام.
لا تقف للخدمة وفي نفسك حقدٌ على أحد، فيفرَّ المعزِّي بعيدًا.
لا تَدِنْ ولا تخاصمْ أحدًا يوم الخدمة، بل كُنْ مواظبًا في الكنيسة على الصَّلاة والقراءة حتَّى يحين وقت الاحتفال بالأسرار الإلهيَّة.
قفْ أمام المذبح المقدَّس بقلبٍ متخشِّعٍ نقيّ، ولا تلتفت البتَّة إلى هذه الجهة أو تلك، بل بالحريِّ انتصب بخوفٍ ورعدةٍ أمام الملك السَّماوي".
ونحبُّ أن نُشير إلى أهمِّيَّة حركات الجسد والتوجيهات العمليَّة في هذه التعابير. مثل ذلك الدَّعوة إلى الهدوء في الصَّلوات ونبرة الصَّوت وترنيم الرِّسالة والإنجيل بطريقةٍ تأمُّليَّةٍ خاشعة. وعبارة "فلنصْغِ" التي تتردَّد تكرارًا في كلِّ الصَّلوات وفي كلِّ الطُّقوس. ونشير أيضًا إلى الصَّلوات المدعوَّة "سرِّيَّة" فهي لا ترنَّم بل تُقال بصوتٍ ناعم تأمُّليّ... ويليها الإعلان بصوتٍ جهير.
كما نحبُّ أن نُشدِّد على أهمِّيَّة التأمُّل والخلوة والرِّياضات الرُّوحيَّة الصَّامتة... واللُّجوء إلى الأديار أيَّام الصَّوم لأجل التأمُّل والخلوة والصَّلاة اللِّيترجيَّة الجماعيَّة والفرديَّة.
كما نُشير إلى أهمِّيَّة قراءة كلمة الله على انفراد وفي الجماعات والمشاركة الإنجيليَّة حولها بهدوء. وهذا هو موضوع التوصيتَين 2 و 3 من توصيات السِّينودس لأجل الشرق الأوسط. وهذا نصَّهما:
"إنَّ كلمة الله هي روح الخِدَم الرَّاعويَّة وأساسها. نتمنَّى أن تمتلك كلُّ أسرةٍ الكتاب المقدَّس".
"يشجِّع آباء السِّينودس على المثابرة اليوميَّة على قراءة كلمة الله والتأمُّل فيها، ولا سيَّما القراءة الرَّبِّيَّة، وعلى خلق موقعٍ بيبليٍّ على الأنترنت، يضع بتصرُّف المؤمنين شروحات وتفاسير كاثوليكيَّة، وعلى إعداد كتيِّب يُقدِّم للكتاب المقدَّس في عهدَيه القديم والجديد، وعلى وضع منهجيَّةٍ سهلة لقراءة الكتاب المقدَّس".
"ويُشجِّعون أيضًا الأبرشيَّات والرَّعايا على تنظيم دوراتٍ بيبليَّة لشرح كلمة الله والتأمُّل فيها، حتى تتسنَّى الإجابة على أسئلة المؤمنين، لخلق جوٍّ من الألفة مع الكتاب المقدَّس، والتعمُّق في روحانيَّة الكتاب المقدَّس، والالتزام في العمل الرَّسوليّ".
ومن المهمِّ أيضًا تربية الشبيبة بخاصَّةٍ على الصَّمت والهدوء في المخيَّمات وفي أوقاتٍ محدَّدة... التخفيف من الموسيقى الصَّاخبة في اجتماعات النشاطات الكنسيَّة، ووضع موسيقى ناعمة تأمُّليَّة. وأهمِّيَّة التقشُّف... والنُّسك... والإماتة اليوميَّة.
وهذا كفيلٌ بأن يقود المسيحيّ إلى خبرةٍ روحيَّةٍ داخليَّة (ميستيك) التي تساعد كثيرًا على النُّضوج المسيحيّ والنموِّ الرُّوحيّ.
القانونُ الكنسيّ يوصي طلَّاب الكهنوت، داعيًا إيَّاهم إلى الأُلفة مع المسيح والتأمُّل بكلمة الله، والإرشاد الرُّوحيّ، وأن يعيشوا في حياةٍ حميميَّةٍ مع المسيح، ويُشدِّد على فحص الضَّمير، وروح الصَّلاة، والخلوة الرُّوحيَّة.
وهناك توصياتٌ أخرى تدعو إلى الحياة الرُّوحيَّة لدى الإكليريكيِّين أي الرُّهبان والكهنة والشمامسة (القانون 346). ولكن هذه التوصيات يمكن أن يقوم بها العلمانيُّون المؤمنون والمؤمنات. وليست محصورةً بالكهنة والرُّهبان والرَّاهبات. وبهذه المناسبة نجدِّد الأمنية الغالية على قلبنا، أن تخصِّص كلّ رهبانيَّة رجاليَّة ونسائيَّة ديرًا من أديارها أو مركزًا من مراكزها لأجل توفير المناخ الملائم للرِّياضات الرُّوحيَّة، من حيث الإرشاد والصَّلوات الطَّقسيَّة التي تُقام فيها على أصولها مع اللِّيترجيَّة الإلهيَّة، وفرص الإرشاد والاعتراف وحفلات التوبة والمواعظ المناسبة. ولهذا ننصح الجميع بعمل رياضةٍ روحيَّةٍ شخصيَّة، أيَّام الصَّوم الأربعيني المقدَّس.
إنَّ الحياة الرُّوحيَّة التي نُدعى إليها أثناء الصَّوم المبارك، وإلى تكثيفها وتعميقها، هي الكفيلة بالتغلُّب على الآفات العصريَّة التي أشارت إليها الوثيقة المدخليَّة الأولى لسينودس تشرين الأوَّل 2012 وعنوانه وموضوعه:"بشرى الإنجيل المتجدِّدة" حيث نقرأ:
"إنَّ سمات الفهم العلماني للحياة طَبعت بطابعها التصرُّفَ اليوميَّ للعديد من المسيحيين الذين يظهرون متأثِّرين – حتَّى لا نقول أسرى – بثقافة الصُّورة، بأشكالها الأكثر تطرُّفًا وتناقضًا. وقد خلقت الذِّهنيَّة ااـــمُتَعيَّة والاستهلاكيَّة المسيطرة فيهم ميلاً نحو السَّطحيَّة والأنانيَّة التي من الصَّعب مقاومتها. "فموت الله" الذي كان عددٌ من المثقَّفين يبشِّرون به في العقود الأخيرة، أخلى السَّاحة لعقيدةٍ عقيمةٍ تدور حول الفرد. وهناك خطرٌ حقيقيٌّ يُهدِّد بفقدان العناصر الأساسيّة للإيمان، ممَّا سيؤدِّي إمَّا إلى السُّقوط في ضمورٍ روحيٍّ وفراغٍ في القلب. أو على العكس، إلى السُّقوط فريسةَ أشكالٍ تعويضيَّةٍ للانتماء الدِّينيّ، أو روحانيَّةٍ غامضة. وفي إطار هكذا سيناريو، يقدِّم التبشيرُ الجديد نفسه على شكل تشجيعٍ تحتاجه الجماعات الكنسيَّة المتعَبة، لإعادة اكتشاف الفرح المسيحيّ، واستعادة الدِّفءِ السَّابق (رؤيا 2/4) والحرِّيَّة في البحث عن الحقيقة".
قداسة البابا بندكتوس السَّادس عشر يدعو في رسائله وخطاباته وأثناء الاحتفال بالقدَّاس الإلهيّ مع الآلاف من المؤمنين، يدعو إلى الصَّمت بعد تلاوة الإنجيل وبعد سماع العظة، وبعد المناولة المقدَّسة.
يا ليتنا ندخل نحن أيضًا الصَّمت ولو لدقائق معدودة، أثناء الاحتفال بليترجيَّة القدَّاس الإلهي، وبالصَّلوات والرُّتَب والأسرار، وأيضًا أثناء اجتماع مختلف النشاطات والمجالس في الرَّعايا. وبحيث نتأمَّل بكلمة الله ونتبادل الاعتبارات والخبرات الرُّوحيَّة بشأنها، من خلال مشاركةٍ روحيَّة، يكون فيها إغناءٌ متبادلٌ بين الحاضرين والمشاركين.
أجل نحن بحاجةٍ إلى الذَّهاب إلى العُمق! نحن بحاجةٍ إلى الدُّخول إلى أعماق نفوسنا، إلى هيكلنا الدَّاخليّ، إلى معبدنا الدَّاخليّ... نحن بحاجةٍ إلى الهدوء والسَّكينة والتأمُّل والصَّمت والإصغاء. هذا ما أشرتُ إليه في مقدِّمة كرَّاس "إبتهالاتٌ مشرقيَّة" المحتوي على مختارات من صلوات زمن الصَّوم المبارك وقد ورد فيه:
"إنَّ الصَّلوات في هذا الكتيِّب ترشدنا إلى طريق التوبة الجسديَّة، وهي الصَّوم والقطاعة والإماتة. وإلى طرق التوبة الرُّوحيَّة التي يوحي لنا بها ضميرنا المستنير بالرُّوح القدس السَّاكن فينا. وهي تقديس الذَّات بالصَّلاة والتنقية بالتوبة والاعتراف والرُّقيّ الرُّوحيّ إلى الله، والاتِّحاد به، ومحبَّة القريب وخدمته، والتقرُّب من الأسرار المقدَّسة، وممارسة فضائل الإيمان والرَّجاء والمحبَّة والصَّدَقة، وأعمال الرَّحمة الرُّوحيَّة والجسديَّة".
لقد وضعنا مختارات لكلِّ أيَّام هذه المرحلة المباركة، لأيَّام الآحاد ولأيَّام الأسبوع. بحيث تكون الصَّلاة سُلَّمًا روحيَّةً نصعد بها إلى عيد القيامة المقدَّسة والفصح المجيد.
هذا الكتيِّب يهدف تعميم الرُّوحانيَّة الطَّقسيَّة على نطاقٍ واسع. إنَّ المختارات الرُّوحيَّة تصلح للمطالعة الرُّوحيَّة الفرديَّة، للصَّلاة في الأسرة، في الصُّفوف المدرسيَّة، في الرِّياضات الرُّوحيَّة، في اجتماعات الشبيبة والمجالس الرَّاعويَّة، وفي مراكز الثقافة الدِّينيَّة. (هذا الكرَّاس متوفِّر في المطبعة البولسيَّة، وفي البطريركيَّة في دمشق وفي الرَّبوة وعلى الموقع).
إنَّ أمراضنا الرُّوحيَّة والجسديَّة تحتاج إلى الصَّوم والصَّلاة، والصِّيام وقتٌ مقبولٌ ويوم خلاص.
نــــداء
في هذه الظُّروف المأساويَّة التي تعيشها بلادنا العربيَّة، وبخاصَّةٍ سوريَّة، ندعو كهنتنا وجميع المؤمنين أن يجعلوا من وقت الصِّيام الكبير، وقتًا للصَّلاة والتَّوبة والضراعة لأجل السَّلام والتضامن والوحدة والحوار والاحترام المتبادل بين جميع المواطنين. فليحفظ الرَّبُّ بلادنا العربيَّة وبخاصَّةٍ سوريَّة. والمخلِّصُ كفيلٌ بأن يجعل مرحلة الصَّوم الكبير طريقًا يقودنا إلى الفرح الحقيقيّ، فرح القيامة والحياة.
"فلا نصلِّ أيُّها الإخوة فريسيًّا. لأنَّ كلَّ من رفع نفسه اتضع، فلنتَّضِعْ أمام الله صارخين بالصَّيام عشَّاريًّا. أللَّهُمَّ اغفر لنا نحن الخطأة".
مع محبَّتي وبرَكَتي ودعائي
+ غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم للرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك
ملحـــق
نثبِّت في هذا الملحق للفائدة والتذكير، بعض المعلومات والتوجيهات التي وردت في رسائلنا السَّابقة، بمناسبة الصَّوم الأربعيني الكبير.
قانون الصَّوم والقطاعة
الصَّوم الأربعيني الكبير
أيَّام الصَّوم هي أيَّام الأربعاء والجمعة من أسبوع مرفع الجبن. وأيَّام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة من أسابيع الصَّوم، والأسبوع العظيم المقدَّس. ما عدا اليوم الذي يقع في عيد البشارة (25 آذار).
سبت النُّور: وهو السَّبت الوحيد الذي يجبُ الصَّوم فيه. بينما يُمنع الصَّوم في السُّبوت الأخرى لارتباط السَّبت بأحد القيامة.
أيَّام القطاعة تشمل الصَّوم الأربعيني بكامله بما فيه السُّبوت والآحاد. بالإضافة إلى الأسبوع العظيم المقدَّس. ما عدا عيد البشارة وأحد الشعانين حيث يُسمَح بأكل السَّمك.
معنى الصَّوم والقطاعة
الصَّوم هو الامتناع عن كلِّ مأكلٍ ومشرب، من نصف اللَّيل وحتَّى الغروب. وهكذا يتناول الصَّائم وجبةً واحدةً في اليوم. وعمومًا بعد صلاة الغروب أو رتبة الأقداس السَّابق تقديسها.
الصَّوم الإفخارستي أو القرباني: الصَّوم بهذا المعنى مرتبط بالاحتفال باللِّيترجيَّة الإلهيَّة وبتناول القربان المقدَّس. حسب التقليد القديم، على المتقدِّم إلى المناولة أن يكونَ صائمًا عن كلِّ مأكلٍ ومشرب.
فالمناولة تُنهي الصَّوم (تكسِرُ الصَّوم)، سواء كان ذلك خارج أيَّام الصَّوم أو في الصَّوم الكبير. وفي هذه الحالة يُنهي الصَّائم نهاره وصومه بالاحتفال بليترجيَّة الأقداس السَّابق تقديسها، وهي رتبة الغروب مع مناولة إحتفاليَّة. وينتهي صوم بارامون الميلاد والغطاس أو الظُّهور الإلهي بليترجيَّة القدِّيس باسيليوس الكبير، تسبقها رتبة صلاة الغروب. وينتهي صوم الأيَّام الثلاثة الأخيرة في الأسبوع العظيم المقدَّس بالمناولة الفصحيَّة صبيحة أحد الفصح.
القطاعة هي الامتناع عن اللَّحم ومرق اللَّحم، وعن البياض، أعني البيض والجبن والألبان والزُّبدة إلخ ... أمَّا السَّمك فيُسمَح به في أيَّام معيَّنة. وكذلك الزَّيت والخمر يُسمَح بهما في أيَّام معيَّنة.
حكمة الأصوام
يعتبر الآباء القدِّيسون الصِّيام الأربعيني الكبير كتأدية العُشر لله (في الواقع 40 هو تقريبًا عُشر 365 يومًا). والوصيَّة تقول: أَوفِ البرَكَة أي العُشر. يُضاف إليه صوم الميلاد والرُّسل والسَّيِّدة. وتتوزَّع هذه الأصوام الأساسيَّة الأربعة على فصول السَّنة الأربعة لتُقدِّس السَّنة كلَّها: صوم الميلاد للخريف، الصَّوم الأربعيني للشتاء، صوم الرُّسل للرَّبيع، وصوم السَّيِّدة للصَّيف.
وهكذا فإنَّ المسيحي المؤمن المواظب على الأصوام المختلفة، يبقى على اتِّصال دائم بالرِّياضات الرُّوحيَّة والممارسات التقشُّفيَّة، وفي يقظةٍ روحيَّة لعمل الرُّوح فيه. ويحافظ بذلك على "لياقة" النَّفس والجسد في آنٍ واحد.
كثيرون يقصدون الأطبَّاء والعلماء لكي يحصلوا على المعلومات الوافية للمحافظة على صحَّتهم الجسديَّة. وكم تكون دهشة الكثيرين إذا علموا أنَّ حكمة الكنيسة في توزيع الأصوام تتوافق مع التوجيهات الطبِّيَّة. لا بل تفوقها لأنَّها تهدف صحة النَّفس والجسد. وهكذا يتمُّ قول السَّيِّد المسيح المعلِّم الأكبر: "أطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبرَّه، وهذا كلُّه يُزاد لكم". ويقول: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلِّ كلمةٍ تخرجُ من فمِ الله". وهذا كان جواب يسوع للمجرِّب في البرِّيَّة. ويقول بولس شارحًا معنى الصَّوم الحقيقي: "إنْ أكلتم أو شربتم أو مهما عملتم، فاعملوا كلّ شيء لمجد الله". ويقول أيضًا: "مجِّدوا الله في أجسادكم، وفي أرواحكم أيضًا".
قانون الصَّوم والقطاعة
في كنيسة الرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك
عالجت مجامعُ كنيسة الرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك مسألةَ الصَّوم والقطاعة مرارًا، وخاصَّةً في الخمسينيَّات (1949 - 1954). وكان التوجُّه العامّ، خصوصًا بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، أن ينظِّم كلَّ مطران قانون الصَّوم والقطاعة المناسب لأبرشيَّته.
بالرَّغم من التفسيحات التي توضع لظروفٍ حياتيَّة مختلفة، فإنَّ قانون الصَّوم حسب التقليد الشرقيّ العامّ لايزال متَّبَعًا لدى عددٍ لا بأس به من المؤسَّسات الرَّهبانيَّة والأفراد.
الطُّقوس الخاصَّة بزمن الصَّوم الأربعيني الكبير
1) رتبة الأقداس السَّابق تقديسها: "ويقال لها باليونانيَّة "البروجيازمينا".
وهي رتبة صلاة الغروب تنتهي بالمناولة المقدَّسة.
في كنيستنا الرُّوميَّة الملَكيَّة اليوم، عمَّت العادة ألَّا تقام هذه الرُّتبة إلَّا في يومَيّ الأربعاء والجمعة من أسابيع الصَّوم، وفى الأيَّام الثلاثة الأولى من الأسبوع الأوَّل من الصَّوم ومن أسبوع الآلام. أمَّا في باقي أيَّام الصَّوم، فيُقيم الكهنة قدَّاس يوحنَّا الذَّهبي كالمعتاد، ويتلون فيه أناجيل ورسائل خاصَّة.
2) صلاة النَّوم الكبرى: يُحتفل بهذه الصَّلاة مساء الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس من أسابيع الصَّوم، وتُعرَف بصلاة (يا ربَّ القوَّات).
3) رتبة المدائح: ويُقام لها باليونانيَّة (الأكاثستوس)، تُقام مساء الجمعة من الأسابيع الخمسة الأولى من الصَّوم، إكرامًا لوالدة الإله الفائقة القداسة.
4) قدَّاس القدِّيس باسيليوس: يُحتفل به في كلِّ آحاد الصَّوم الأربعيني ويومَيّ الخميس والسَّبت من أسبوع الآلام.
ملحق آخر
للفائدة الرُّوحيَّة نثبِّت هنا بعض النُّصوص من صلوات الصَّوم الكبير. يمكن اللُّجوء إليها من قبل الأفراد، وفي الاجتماعات المختلفة في الرَّعايا.
كما أشرنا أعلاه نُشِرَ كرَّاس بعنوان: "إبتهالاتٌ مشرقيَّة" مختاراتٌ من صلوات الصَّوم المبارَك (جمَعَها المطران لطفي لحَّام)، وهي متوفِّرةٌ في المطبعة البولسيَّة بفروعها، وفي البطريركيَّة بدمشق، وفي الرَّبوة (لبنان).
1_ "لقد ائتمِنْتُ على حقلٍ حيٍّ نقيّ. فزرعتُ فيه الخطيئة. وحصدتُ السَّنابل بمنجل الكسل. وجمعتُ أكداس أعمالي محزومةً. ولم أدْرُسْها في بيدر التَّوبة. لكن أسألكَ يا إلهنا الفلَّاح الأزليّ. أن تُذرِّي تِبْنَ أعمالي. بنسيم محبَّتك العطوف. وجهِّزْ لنفسي قمح الغفران. واحفظني في أهرائك السَّماويَّة. وخلِّصني" (أحد الابن الشاطر – القطعة الأولى في الغروب).
2_ "أسرعْ يا مخلِّصي وافتحْ لي ذراَعيكَ الأبويَّتين. لأنِّي أضعتُ عمري كالابن الشَّاطر. فلا تعرضِ الآن أيُّها المخلِّص. عن قلبٍ مفتقرٍ إلى غِناكَ الذي لا ينفذ. ولا تحرمْهُ رحمتك. لأنِّي إليك يا ربُّ أصرخُ بخشوع: خطئتُ إليك فخلِّصني" (سَحَر أحد الابن الشاطر – نشيد جلسة المزامير بعد الثالثة).
3_ "لقد انفتحَ الآن بابُ التَّوبة الإلهيَّة. فلندخلْ فيه بنشاط. مطهِّرين أجسادَنا. ممسكينَ عن الأطعمة والشَّهوات كتلاميذ المسيح. الدَّاعي العالم إلى ملكوت السَّماوات. ولنقدِّمْ لملكِ الجميع عُشْرَ السَّنة كلِّها. لكي ننظر قيامته المجيدة بشوقٍ" (سَحَر الإثنين من مرفع الجبن – جلسة المزامير الأولى).
4_ "يا نفسُ تفرَّغي للصَّوم بفكرٍ هادىء. وفرِّحي الرَّبَّ بحسنِ الأفعال. مقدِّمةً له أطعمةَ الفضائل. كضحيَّةٍ ذكيَّة العُرْف وهاتفة: باركي الرَّبَّ بغير فتور. ياجميع أعمال الرَّبّ" (سَحَر الخميس من أسبوع مرفع اللَّحم – التسبحة الثامنة، القطعة قبل الأخيرة من القانون الأوَّل).
5_ "لنقدِّمْ للذي تواضع لأجلنا. صيامًا وصلاة. ودموعًا وخُلقًا وضيعًا. لكي يكلِّلَنا في يوم الإمساك. بالعفوِ عمَّا اجترمناه" (سَحَر الجمعة من أسبوع مرفع اللَّحم – التسبحة الخامسة، القطعة قبل الأخيرة من القانون الثاني).
6_ "لقد انفتحَ ميدان الفضائل. فادْخلوهُ يا راغبين في الجهاد. متنطِّقين بكفاحِ الصَّوم الحسَن. لأنَّ الذين يُحسِنون الجهاد يُكلَّلون بعدلٍ. فلنُحاربنَّ العدوَّ متدرِّعين بالصَّليب. معتصمينَ بالإيمان كسورٍ لا يُنقَبْ. وبالصَّلاة كدرعٍ. وبالصَّدَقةِ كخوذة. وبالصِّيامِ حُسامًا يبتُر من القلب كلَّ رذيلة. فالذي يصنع هكذا يُحرِزُ الإكليل الحقيقيَّ من المسيح. ملكِ الكلِّ في يوم الدَّينونة" (أحد مرفع الجبن – القطعة الثانية من الباكرية).
7_ "ها قد وافى الزَّمان. فاتحةُ الجهادات الرُّوحيَّة. والغلَبةُ على الشياطين. وسلاحُ الإمساك. وجمال الملائكة. والدَّالة لدى الله. لأنَّ موسى بالصَّوم صار كليمًا للخالق. وسمع بأُذنَيه صوتًا من غير أن يُرى. فيا ربّ. أهِّلنا بواسطته أن نسجد لآلامكَ وقيامتكَ المقدَّسة. بما أنَّك محبٌّ للبشر" ( أحد مرفع الجبن – قطعة المجد من الباكرية ).
8_ "لنفتحْ زمن الصِّيام بحبور. باذلين أنفسنا في الجهادات الرُّوحيَّة. ولنُنقِّ النَّفس ونطهِّر الجسد. صائمين عن الشَّهوات صَومنا عن الأغذية. متنعِّمين بفضائل الرُّوح. التي نستحقُّ بتتْميمنا إيَّاها بشوقٍ. أن نشاهدَ آلام المسيح الإله الكاملةَ الوقار. ونعاينَ الفصح المقدَّس. مبتهجين روحيًّا" (أحد مرفع الجبن مساءً – آخر قطعة من مزامير الغروب).
9_ "لنبتدىءْ بالإمساك الكامل الإكرام مسرورين. متلألئينَ بأشعَّة أوامر المسيحِ إلهنا المقدَّسة. بضياء المحبَّة السَّاطع. وبرْق الصَّلاة. وطهارة العفاف. وقوَّة الشجاعة. لكي نبلُغَ مضيئينَ بنورِ عدم الفساد. إلى قيامة المسيح المقدَّسة. الثلاثيَّة الأيَّام المبهجةِ المسكونة.(سَحَر الإثنين الأوَّل من الصَّوم – قطعة جلسة المزامير الثالثة).
10_ "لنصعد كلُّنا بالصِّيام. إلى طُورِ الأعمال الحميدة. مغادرين عَثَراتِ اللَّذاتِ الأرضيَّة. وبولوجِنا في غَمام المناظر العقليَّة الشريفة. نشاهدُ جمال المسيح المشتهى وحده. متألِّهين بالمراقي الإلهيَّة سرِّيًّا" (سَحَر الثلاثاء الأوَّل من الصَّوم – التسبحة الثانية – القطعة الثالثة).
11_ "هلمَّ ندخلْ مخدعَ النفس. مقرِّبين الصَّلوات للرَّبِّ وهاتفين: يا أبانا الذي في السَّماوات. إصفحْ عنَّا واغفر ذنوبنا. بما أنَّك متعطِّفٌ وحدك" (سَحَر الثلاثاء الأوَّل من الصَّوم – التسبحة الثانية – القطعة الأولى من القانون الثاني).
12_ "هلمَّ نصعدْ بالصِّيام إلى جبل الصَّلوات. فنعاينَ الله نحن أيضًا بقلبٍ نقيّ. متقبِّلين كموسى لوحَيّ الوصايا في داخلنا. مُشرقي الطَّلعة بمجد محبَّته" (سَحَر الثلاثاء الأوَّل من الصَّوم – القطعة الأخيرة من التسبحة التاسعة).
13_ "لنبتدىءْ أيُّها الشعوب بالصَّوم النقيِّ الطَّاهر. الذي هو خلاصُ النُّفوس. ونخدم الرَّبَّ بخوف. وندهُنْ رؤوسَنا بزيت الإحسان. ونغسلْ وجوهَنا بماءِ العفاف. لا نُكثر الكلام في الصَّلاة. لكن لنصرخْ كما تعلَّمنا: يا أبانا الذي في السَّماوات. إغفرْ ذنوبنا بما أنَّك محبُّ البشر. (سَحَر الثلاثاء الأوَّل من الصَّوم – القطعة الأولى من آخر السَّحر).
14_ "مع صومنا أيُّها الإخوة جسديًّا، لنصُمْ أيضًا روحيًّا. ونَحُلَّ كلَّ وثاقٍ ظالم. ونفكَّ عقدَ المعاملاتِ الابتزازيَّة. ونمزِّقَ كلَّ صكٍّ جائر. ونُعطِ الجياعَ خبزًا. ولنُضِفْ المساكين الذين لا مأوى لهم. لكي ننال من المسيح الإله الرَّحمةَ العظمى" (الأربعاء الأوَّل من الصَّوم مساءً - القطعة الأولى).
15_ "هلمَّ أيُّها المؤمنون. نعملْ في النُّور. ونسلكْ متجمِّلين بالأدب سَيْرنا في النَّهار. ولنقتلعْ من أذهاننا كلَّ حُكمٍ جائرٍ على القريب. غير واضعينَ عثرةَ شكّ. ولننبذْ ملذَّات الجسد. ونُنْمِ مواهبَ النَّفس. ونُعطِ المحتاجينَ خبزًا. ونتقدَّمْ إلى المسيحِ بتوبةٍ هاتفين: يا إلهَنا ارحَمْنا" (الجمعة الأولى من الصَّوم مساءً - القطعة الأولى).
16_ "بإكمالنا الأربعينَ النَّافعةَ للنَّفس. نتوسَّلُ إليكَ يا محبَّ البشر. أن نُشاهِدَ أُسبوعَ آلامِكَ المقدَّسة. لنمجِّدَ فيها عظائمَك. وتدبيرَكَ الممتنِعَ الإدراك الذي أتْمَمْتهُ لأجلنا. مترنِّمينَ بعزمٍ واحد: المجدُ لك أيُّها الرَّبّ" (غروب سبت لعازر – القطعة الأولى).