صاحب الغبطة يوسف

زيارة بطاركة الشرق إلى إربيل

٢٣ ٨ ٢٠١٤

 

بروتوكول 494/2014د                      

 

  دمشق في 23/8/2014
 

زيارة بطاركة الشرق إلى أربيل
20 آب 2014

****************
 



إذا تألَّم عضوٌ تألَّمت معه سائر الأعضاء، وابكوا مع الباكين!

        إنطلاقًا من هذه الكلمات الرُّوحيَّة للقدِّيس بولس، تنادى بطاركة الشرق في اجتماعهم التاريخي في المقرّ البطريركي الماروني في الدِّيمان يوم 17 آب 2014. وقرَّروا أن يتوجَّهوا إلى العراق إلى أربيل لكي يزوروا الإخوة والأخوات من رعاياهم الذين طُردوا من ديارهم وبيوتهم وكنائسهم وأرزاقهم. ومات الكثيرون منهم جوعًا وعطشًا، نساءً وأطفالاً ورجالاً وشباب... وكهنة وراهبات ورهبان، ومطران طُرِدَ من كنيسته بثوبه الوحيد الذي عليه (إسمه المطران بطرس).

        وكان الميعاد المقرَّر في العشرين من آب 2014. وفي الواقع تمكَّن من الذهاب إلى أربيل الأربعة البطاركة الأنطاكيُّون، وهم: (البطريرك غريغوريوس الثالث لحَّام بطريرك الرُّوم الملكيين الكاثوليك، الكاردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي بطريرك الموارنة، البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الأرثوذكس، البطريرك إغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك)، واعتذر الباقون...

        للزيارة شقَّان: الأوَّل: إنساني أخوي رعوي كنسي عاطفي: لقاء النازحين المشرَّدين الذين دبَّرت لهم الكنيسة بالتعاون مع السُّلطات الكرديَّة أمكنة إيواء: كنائس، قاعات تعليم مسيحي، خيَم، أبنية على العضم... افترشوا الأرض مع قليل من الحرامات والأغطية...

        والشقّ الثاني: إبراز صوت الكنيسة الواحد، أمام العالم كلِّه تجاه هذه المأساة الإنسانيَّة.

        منظر مؤثِّر جدًّا جدًّا حرَّك أعمق مشاعرنا وفجَّر في عينيَّ الدُّموع مرارًا...! فبكيتُ مع الباكين... وقبَّلتُ الأطفال والمعوَّقين... وكنتُ حاملاً صليبًا تهافت الجميع رجالاً ونساءً وشبابًا وشابَّات وأطفالاً على تقبيله وتقبيل يدي وطلب البركة والصَّلاة معًا، بلغة الكنيسة المحلِّيَّة الكلدانيَّة أو الآشوريَّة (وتسمَّى السِّريانيَّة الشرقيَّة).

        وقد صلَّينا ورنَّمنا في كلِّ مخيم وخيمة وكنيسة وتجمُّع، والدُّموع تنهمر من عيون الكثيرين.

        وقد استضافنا أوَّلاً في طيَّارةٍ خاصَّة السَّيِّد جاك صرَّاف رئيس الغرف الصناعيَّة في بيروت استأجرها خصِّيصًا للوفد. كما استضافنا في فندقه الكبير الجميل (روتانا)، للاستراحة ولتناول طعام الغداء على المائدة السَّخيَّة. وأثناء الغداء قدَّم غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الرَّاعي مبلغًا من المال لكلِّ كنيسة. وأنا قدَّمتُ مبلغ (60) ستِّين ألف دولاراً أميركيًّا جمعتها من الأبرشيَّات والرَّهبانيَّات والجمعيَّات الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة من لبنان وسورية وفلسطين ومصر، ومن الرَّعايا ومن لمات صواني الأحد 17 آب التي خُصِّصت للإخوة في العراق. وقد توزَّعت المبالغ لكلِّ الكنائس الكلدانيَّة والآشوريَّة، والسُّريانيَّة وحتَّى للإزيديين. وقد زرنا مكتب التنسيق المشترك وهو منظَّم بطريقة دقيقة، يؤمِّن ثلاث وجبات في النَّهار، والطَّبابة، والبرامج التثقيفيَّة والترفيهيَّة والمحاضرات والصَّلوات والتوجيه الاجتماعي والرُّوحي... وقد سررنا بذلك التنظيم. ممَّا يُعطي الضَّمانة أنَّ المساعدات تصل إلى أصحابها والمحتاجين إليها بطريقةٍ ممتازة. وهذا يُساعد على تلافي المشاكل بين النَّازحين.

        وقد تحدَّثنا مع النَّازحين وسمعنا بعض الشهادات، كيف تمَّ الهجوم عليهم من قِبل داعش والعصابات التابعة لها، مصحوبًا بالمسبَّات والإهانات وأنواع التنكيل... وعلمنا أنَّ كثيرين هاجروا. وكثيرون على طريق الهجرة... أمر مؤسف جدًّا. ويُهدِّد بإفراغ هذه المنطقة من سكَّانها المسيحيين (والإزيديين) الذين لهم حضورٌ دائم منذ فجر المسيحيَّة. وأكَّد لنا الكهنة أنَّها لأوَّل مرَّة لم تقم صلوات واحتفالات وقداديس وأسرار في الكنائس، على مدى شهرَين. ممَّا لم يحدث أبدًا في تاريخ المسيحيَّة في المنطقة.

        وللأسف الشديد: هذه المشاهد والأوضاع هي نفسها تعيشها سورية الحبيبة على مدى ثلاث سنوات ونيِّف، وكذلك يعيشها السُّوريُّون الذين نزحوا إلى لبنان المضياف الكبير... أجل يعيشها تسعة ملايين من السُّوريين في سورية ولبنان والأردن وتركيا... منهم 450 ألف مسيحي... هذا ما عدا الذين من مسيحيين ومسلمين في سورية هاجروا إلى خارج البلدان العربيَّة.

        بعد الظهر كان للبطاركة والمطارنة المرافقين لهم زيارة رسميَّة للسُّلطات الكرديَّة المحلِّيَّة في قصر الرِّئاسة المتألِّق بالجمال والأناقة. وقد زرنا رئيس مجلس الوزراء السَّيِّد نيجيرفان بارزاني.

ورئيس الإقليم فخامة السَّيِّد مسعود بارازاني رئيس إقليم كردستان العراق.

        وشكرناهما على استقبالهم النازحين المطرودين من بلادهم وعنايتهم بهم. وعلى الجهود الحربيَّة التي تقوم بها البيشمركة لصدّ هجمات داعش الإرهابيَّة الإجراميَّة. وشدَّدنا على ضرورة عودة النازحين إلى بيوتهم، لا سيَّما والشتاء القارس قادم، والسَّنة الدِّراسيَّة على الأبواب... كما أشار البطاركة في لقائهم مع الرَّسميين ومع النازحين الأحبَّاء ومن خلال المؤتمر الصحفي الذي اختتموا به زيارتهم، أنَّهم سيبقون قريبين إلى جميع النازحين مسيحيين وسواهم من الطَّوائف العزيزة الأخرى، وأنَّهم سيكونون منبرًا وصوتًا مدوِّيًا إقليميًّا وعالميًّا، لأجل دحر وباء وسرطان الفرق التكفيريَّة والجهاديَّة الخطرة على الجميع في الشرق _ مسيحيين ومسلمين، وحتَّى على المجتمع الأوروبي، وهي خطرة على العيش المشترك في المجتمع شرقًا وغربًا، وعلى الحوار المسيحي الإسلامي، وعلى أي حوار بين الناس، إحترامًا لكرامتهم وكونهم على صورة الله ومثاله...

        وفي الواقع سيتابع البطاركة نشاطهم وتحرُّكهم على مستوياتٍ مختلفة لأجل قضايا العدل والعدالة، والمصالحة والغفران، والتراحم والمودَّة والمحبَّة والسَّلام في مشرقنا العربيّ مهد الدِّيانات والحضارات، وفي العالم أجمع.

        التحرُّك القادم هو مشاركة بطاركة الشرق من كلِّ الطوائف في مؤتمر كبير في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة أيَّام 9 _ 10 _ 11 أيلول القادم 2014. حيث سيكون لهم لقاءَات في البيت الأبيض ومع مجلس الشيوخ ومع مجلس الأمن الدُّولي... ومع شخصيَّاتٍ كثيرة.

        هذا وعاد البطريركان لحَّام والرَّاعي مساء العشرين إلى لبنان، بينما بقي البطريركان أفرام الثاني ويونان الثالث في أربيل لمتابعة تفقُّد رعاياهما في المنطقة.

        أخيرًا! إنَّنا نشكر المخلِّص الإلهي على هذا الوفاق بين بطاركة الشرق، وعلى هذه الاجتماعات والزيارات والمواقف الإعلاميَّة محلِّيًّا وعالميًّا، والمساعي الحثيثة!...

        إنَّ هذا الأمر يُشدِّد عزائم رعايانا ويُعزِّيهم ويُساعدهم على الصَّبر والصُّمود والثبات وعدم الهجرة.

        نطلب من المخلِّص الإلهي أن يُقوِّينا نحن الرُّعاة والخدَّام لشعبنا، لكي نبقى قريبين إلى كلِّ أبنائنا وبناتنا، رعاة، وكهنة ورهبانًا وراهبات وجمعيَّات ومؤسَّسات، لكي نتابع خدمتنا المقدَّسة لهذا القطيع الصَّغير. ويبقى المسيحيُّون حاضرين شاهدين لإنجيل السَّيِّد المسيح وقيمه الإنسانيَّة الشاملة، ومتضامنين مع إخوتهم المواطنين من كلِّ الطَّوائف، لأجل مجابهة الأخطار المحدقة بالمجتمع العربي، ولأجل بناء عالمٍ أفضل للأجيال الطَّالعة، يكون فيه المسيحيُّون كما أرادهم المعلِّم الإلهي السَّيِّد المسيح، نورًا وملحًا وخميرة.

        يا ربَّ السَّلام امنح بلادنا السَّلام: لبنان _ سورية _ العراق _ فلسطين _ مصر _ الأردن وسائر البلاد العربيَّة.

        يا ربّ أعطنا السَّلام! فقد أعطيتنا كلَّ شيء.

 

 

                                                     + غريغوريوس الثّالث
 
                                   بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريّة وأورشليم  
    للرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك