صاحب الغبطة يوسف

طريق القيامة طريق القدس!طريق دمشق!

٢٥ ٣ ٢٠١٦
طريق القيامة
طريق القدس!طريق دمشق!
 
عندما بدأتُ بتهيئة هذه الرسالة، وجدتُ نفسي على الطريق مثل لوقا وكلاوبا. على الطريق مع يسوع حيث يتقدَّم إليَّ بحبٍّ وعطفٍ، وخَفَرٍ وتواضعٍ وحنوٍّ ورعايةٍ ورحمة. يتقدَّمُ إليَّ ويسيرُ معي، هو الحاضر في كلِّ مكان والمالئُ الكلَ. يسوعُ رفيقُ الطَّريق "الرَّحمن الرَّحيم". المحبُّ البشر. الصديقُ. الأخ والإلهُ والإنسان. لقد أصبح إنسانًا على الطَّريق، ويريد أن يسير على طريق كلِّ إنسان، لكي يقود كلَّ إنسان إلى السعادة، إلى الفرح، إلى القيامة إلى الحياة الأبديَّة.
طريق القيامة
تَنقلُني هذه الرسالة بنوعٍ خاص إلى القدس. وتعيد إليَّ ذكرياتي في الأرض المقدَّسة، ومسيرتي على الطريق الذي سلكها تلميذا عمواص. أسيرُ على طريق عمواص في القبيبة (عند الآباء الفرنسيسكان)، وحيث مأوى للعجزة والمسنِّين برعاية راهبات المخلص. على طريق عمواص (اللاطرون) قرب دير الآباء الترابيست، حيث كنتُ أقدِّس بعد عيد الفصح، في هذين المكانين المقدَّسين. وأسيرُ على طريق لوقا وكلاوبَّا، صاعدً من عمواص، عائدً إلى القدس مدينة القيامة لأبشِّر معهما بالقيامة! ويسوع يرافقني في هذه الرسالة كما كان يرافقهما.
أريد من خلال هذه الرسالة أن أُشْعِر كلَّ إنسانٍ يقرأها، وخاصَّة إخوتي أعضاء المجمع المقدَّس، وكلَّ مؤمنٍ وكلَّ إنسان، أردتُ أن يشعرَ كلُّ إنسان أنَّه ليس وحدَه على الطريق. الله أصبح طريقًا! رفيقًا! دربًا! سبيلاً! خريطة طريق! يسوع أخلى ذاته معلنًا لنا جميعًا: "أنا الطريقُ والحقُّ والحياة". هو يخاطب اليوم البشر جميعًا ويخاطبكم من خلال رسالتي هذه قائلاً لكم: "أنا الطريق، والحق، والحياة، والقيامة!" (يوحنا 13: 6) "من يتبعُني لا يمشي في الظلام، بل يكونُ له نور الحياة!" (يوحنا 8: 12)
ألا سيروا معي أيُّها الأحبَّاء من خلال هذه الرسالة ومع يسوع! إفتحوا عيونَ إيمانكم لتَرَوا  يسوع مثل تلميذَي عمَّاوس، أولاً بأعين الإيمان، ثم بالأعين الجسديَّة يشرح لكم الكتبَ والتوراة، والتدبيرَ الخلاصيَّ، ومسيرةَ الله مع شعبه. إنَّه يسوع الطريق! إنَّه رفيق الطريق، ورفيقُ الإنسان في هذه الحياة! يرافقُ الإنسانَ إلى أرضِ الميعاد، التي لا جغرافيةَ لها كجغرافية البشر، ولا حدودَ لها كحدود البشر! ولا آفاقَ لها كأفاقِ البشر! بل إنَّها طريقٌ تصلنا جميعًا بكلِّ إنسان! تصلنا بالآب! وتقودنا إلى الآب!
 
رسائلي البطريركية
رسائلي البطريركيَّة هي حواريالروحيِّالدائم مع كنيستي، مع إخوتي المطارنة، والكهنة، والشمامسة، والرُّهبان، والرَّاهبات، والمؤمنين، والشبَّان، والعائلات. ذلك أنَّني أعملُ على صياغة رسائلي، طيلة السنة على مدى الأشهر!
مثلاً عام 2015: بدأتُ رسالة الميلاد في تشرين الأول 2015، وبدأتُ رسالة الصوم في كانون الأول 2015، وبدأتُ رسالة الفصح 2016 في أواخر كانون الأول 2015 مع رسالة الصوم! فأنا في مخاطبة دائمة! أحاولُ أن أخاطبَ شعبي من خلال تفكيري بما يحتاجون إليه من غذاءٍ روحيّ!
أنا حقًا في حوارٍ دائمًا مع كنيستي! لأنَّ كنيستي هي شغلي الشاغل وموضوع محبَّتي الدائم! واهتمامي الدائم! فأنا أعيشُ كنيستي مئة بالمئة! في حَلِّي وتَرحالي! في أيِّ مكان أتواجدُ فيه. في دمشق، وفي بيروت، وفي مصر، وفي الخارج! أنا دائمًا في كلِّ هذه الأماكن والبلاد مع كنيستي الحبيبة!
خبرتي على الطريق مع يسوع الطريق
أذكر يوم كنت الساعة 12:00 ليلاً على إحدى الطرق في ألمانيا في ظلامٍ دامس! أمامي حفرة... وجَّهتُ السيَّارةَ إلى مكانٍ آخر، أيضًا حفرة! ما العمل؟ قلتُ ليسوع مخاطبًا إيَّاه: دُلَّني الآن على الطريق! ودعستُ بينزين باتجاه ما! وكان الطريقَ الصحيح. وأكملتُ طريقي مع يسوع الطريق!
وكم من مرَّةٍ خبرتُ هذه الخبرة! وأنا أزورُ الرَّعايا في ألمانيا:إلى كهنة غرباء! إلى أناسٍ غرباء! إلى كنائس غريبة! على طُرُقٍ غريبة! وفي شوارعَ غريبة! وفي كلِّها كان يسوع طريقي. وهذا عشتُه على مدى أكثر من خمسين سنة، منذ صيف 1959، عام رسامتي الكهنوتيَّة المقدَّسة. وحتى الآن يسوع على طريقي، ويسوع طريقي! وطريقي إلى تَوْقِ الناس، إلى حاجاتِ الناس، إلى آمالِ الناس إلى آلامِ الناس....
الطريق في الكتاب المقدس
الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، هو وصفٌ لطريقِ الله مع الإنسان. في الواقع كلمة"طريق" تَرِدُمئات لابل آلاف المرَّات في كلِّ أسفار الكتاب المقدَّس: في التَّوراة، والإنجيل، والرسائل.
سار الربُّ على الطريق مع ابراهيم أبي الآباء (تكوين 24: 27). وحفظَ يعقوب في الطريق (تكوين 28: 20). وسار الربُّ مع شعبه لدى خروجهم من مصر. وكان الرَّبُّ يسير أمامهم، نهارًا في عمودِ سحابٍ، ليهدَيهم في الطَّريق. وليلاً في عمودٍ من نار، ليضيءَ لهم، لكي يمشوا نهارًا وليلاً. وهو الذي خلَّصهم من المشقَّة التي أصابتهم في الطريق. (خروج 18: 8)
 
التوراة
أسفار العهد القديم تُذكِّر الشعب بهذه المسيرة العجيبة. هكذا نقرأ: "أُذكر الربَّ الذي رَأَيْتَ كَيْفَ حَمَلَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ كَمَا يَحْمِلُ الإِنْسَانُ إبْنَهُ في كُلِّ الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكْتُمُوهَا حَتَّى جِئْتُمْ إِلَى هذَا الْمَكَانِ". (تثنية الاشتراع 1: 31).
ونقرأ أيضًا: "وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟" (تثنية الاشتراع 8: 2)
وهناك آياتٌ كثيرة تُذكِّر الشعب بمسيرة الرب على الطريق مع شعبه، حيث أرسل ملاكه ليسير معهم. (خروج 23: 20)، (عدد 22: 23).
وتُذكِّر الآياتُ الشعبَ بضرورة السير حسب الطريق، التي يرسمها الرب أمام شعبه. وقد عرَّفهم الطريق الذي يسلكونه، والعمل الذي يعملونه. (خروج 18: 20). وأيضًا "فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ تَسْلُكُونَ، لِكَيْ تَحْيَوْا وَيَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ وَتُطِيلُوا الأَيَّامَ فِي الأَرْضِ الَّتِي تَمْتَلِكُونَهَا." (تثنية الاشتراع 5: 33)
ويُوصي شعبه قائلاً: "وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ. (تثنية الاشتراع 6: 7)
يُوصي بأن يُكلِّم الأهلُ أولادَهم، في الطريق، وفي كل مكان، عن الله، وعن كلمته، وعن أعماله: "وَعَلِّمُوهَا أَوْلاَدَكُمْ، مُتَكَلِّمِينَ بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، وَحِينَ تَمْشُونَ فِيالطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَقُومُونَ." (تثنية الاشتراع 11: 19)
ألا فليسمعِ الأهلُ الأحبَّاء هذه الوصيَّة الرائعة، ويخاطبوا أولادهم بكلمة الله، وتعاليم الإنجيل المقدَّس!
ويعاتبُ الربُّ شعبه لأنَّهم لم يسيروا في طريق الله: "لقد زُغْتُمْ عَنِ الطريق الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا" (تثنية الاشتراع 11: 28). "لقد حَادُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَارَ بِهَا آبَاؤُهُمْ لِسَمْعِ وَصَايَا الرَّبِّ، لَمْ يَفْعَلُوا هكَذَا." (سفر القضاة 2: 17)
ونرى مرارًا كيف أنَّ الربَّ يتدخَّل في حياة شعبه، وفي حياة كل إنسان،  فيُشير إليه بأن يُغيِّر طريقه، لكي يَقيَه من خطرٍ. ويُوجِّهه لعمل إرادته الإلهية. هكذا نقرأ: "لا ترجعْ في الطريق الذي ذهبتَ فيه" (سفر الملوك الأول 13: 9، 10، 17). وهذا يُذكِّرنا بالمجوس الذين أتوا وسجدوا للطفل يسوع، وأمرهم ملاك الرب، أن يرجعوا في طريق أخرى إلى بلدهم. (متى 2: 12)
وكم من آياتٍ تشير إلى أن الله لا يزال يَدلُّ الإنسان على الطريق، والصراط المستقيم! وها هو يرسل ملاكه إلى طوبيَّا الضرير الأعمى، لكي يرافقه في الطَّريق. ما أجمل هذه القصَّة حيث يحاولُ الملاك أن يُخفيَ هُويَّة شخصيَّته أنَّه ملاك، وليس إنسان.
جميلٌ أن نقرأ سفر طوبيَّا، ولاسيَّما الفصل الخامس. وجميلٌ أن نرى مع الملاك الكلبَ الذي يرافق الملاك. وكأنَّ اللهَ يريد أن يقول لنا أنَّه يُسخِّر كلَّ الخلائق لكي يُشعِرنا بعنايته الإلهيَّة في طريقنا على هذه الأرض! ولا بأس أن أذكر الملاحظة الناعمة الواردة في هذه الآية: "حِينَئِذٍ سَبَقَ الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الطريق، وَكَانَ كَأَنَّهُ يَشِيرٌ يُبْدِي مَسَرَّتَهُ بِبَصْبَصَةِ ذَنَبِهِ". (طوبيا 11: 9)
الأنبياء
لنتابعْ المسيرة والطريقَ في الكتاب المقدس! أُحبُّ أن أتوقَّف عند النبي أشعيا العظيم الصوت!  فهو يُنبئ عن الطريق الجديدة، وعن السيد المسيح الذي هو الطريق. وكيف يجب أن نهيئِّ، ونُعدَّ العالم للسير في الطريق الجديد. وهذه بعض الآيات من هذه النبوءة: "وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌيُقَالُ لَهَا: «الطَّريِقِ الْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطريق حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ." (اشعيا 35: 8). وَيَقُولُ: «أَعِدُّوا، أَعِدُّوا. هَيِّئُوا الطَّرِيق. إرْفَعُوا الْمَعْثَرَةَ مِنْ طَرِيقِشَعْبِي». (اشعياء 57: 14)
ونقرأ في نبوءة إرميا النبي عن الطريق "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قِفُوا عَلَى الطُّرُقِ وَانْظُرُوا، وَاسْأَلُوا عَنِ السُّبُلِ الْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ الطَّرِيق الصَّالِحُ؟ وَسِيرُوا فِيهِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: لاَ نَسِيرُ فِيهِ!" (إرميا 6: 16) ونقرأ: "َسِيرُوا فِي كُلِّالطَّرِيق الَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ لِيُحْسَنَ إِلَيْكُمْ." (إرميا 7: 23) ويخاطب النفس قائلاً: "إجْعَلِي قَلْبَكِ نَحْوَ السِّكَّةِ، الطَّرِيق الَّتِي ذَهَبْتِ فِيهَا. (إرميا 31: 21) ويقول: "وَيُخْبِرُنَا الرَّبُّ إِلهُكَ عَنِ الطَّرِيق الَّذِي نَسِيرُ فِيهِ، وَالأَمْرِ الَّذِي نَفْعَلُهُ". (إرميا 42: 3)
ويتكلَّم النبيُّ حزقيال عن المسيح الطريق المتَّجهِ نحو المشرق (حزقيال 47: 2). ويتكلَّم النبي ملاخي عن تهيئة طريق المسيح: "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (ملاخي 3: 1)
المزامير
أمَّا السفر الذي فيه الكَمُّ الأكبر من الكلام عن الطريق فهو سفر المزامير وهذه مختارات قليلة. منها: المزمور الأول يُطوِّب الإنسان السَّائر على طريق الله: "طوبى للرَّجل الذي لا يتَّبعُ مشورة الكفرة. وفي طريق الخطأة لا يقف. وفي مجلس السَّاخرين لا يجلس. بل في شريعة الرب مسرَّته. وفي شريعته يهذُّ نهارًا وليلاً. فيكون كالشجر المغروس على مجاري المياه الذي يُؤتي ثمره في أوانه. وورقُه لا يذبل. وكلُّ ما يصنعُه ينجح. إنَّ الربَّ يعرف طريق الصدِّيقين أمَّا طريق الكفرة فتهلك" (مزمور1: 1- 3، 6) المزمور هذا مختصر للتمييز بين طريق الخير، وطريق الشر.
الآيات كثيرة. أكتفي منها بهذه: "أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيق الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ". (مزمور 32: 8) "عندما تعيَ فيَّ روحي أنتَ تعرف سبلي.في هذه الطريق التي أسلكُ فيها أخفوا لي فخًا". (مزمور 141: 4) "عرِّفني ياربُّ الطريق التي أسلك فيها فإني إليكَ رفعتُ نفسي" (مزمور 142: 8)
المزمور 118، هو مزمور الطريق بامتياز. إنَّه مزمور الشَّغف بطريق الله، وشريعة الله، وسبيله، وناموسه، وكلمته... ومطلَعُه يُعيد إلى المصلِّي المزمور الأول:طوبى للأزكياء في الطريق. للسائرين في شريعة الرب.(1)  ولا يفعلون الإثم. بل يسيرون في طرقه (3). يا ليتَ طرقي تُوجَّه إلى حفظ رسومكَ (5). بماذا يُقوِّم الشاب طريقَه؟ بحفظ أقوالكَ (9). في طريق شهاداتك سُررتُ. كالحاصل على كلِّ ثروة (14). إنِّي في وصاياك أتأمَّلُ وأنُظرُ في طرقكَ (15). فهمِّني طريق رسومكَ فأتأمَّلُ بمعجزاتكَ (27). أبعدْ عنِّيطريق الإثم. وأنعمْ عليَّ بشريعتك (29). اخترتُ طريق الحقّ. ولم أنسَ أحكامك (30). سعيتُ في طريق وصاياكَ عندما شرحتَ قلبي (32). دُلَّني على طريق رسومك. فألتمسَه كلَّ حين. (33) إهْدِني في سبيل وصاياك. فإنِّي فيه رغبتُ (35). تفكَّرتُ في طرقي. ورددتُ قدميَّ إلى شهاداتك (59). عن كل طريق شرٍ منعتُ قدميَّ. لكي أحفظ أقوالكَ (101). بوصاياك تفقَّهتُ. لذلك أبغضتُ كلَّ طريقِ الإثم (104). شريعتك مصباح لقدميَّ. ونورٌ لسبيلي (105). أنتَ يا ربٌ قريبٌ وجميع طرقك حقٌ (151). حفظتُ وصاياك وشهاداتك. لأنَّ جميع طرقي أمامكَ يارب (168).
يا ليت هذا المزمور يكون مزمورَ المكرَّسين والمكرَّسات، والإكليروس، والنفوس التقيَّة... ويا ريتَ يعود هذا المزمور إلى استعماله، في كنيستنا، حسب تعليمات الطقس. لابل يا ليَته يصبح موضوع التأمل، وساعات السجود، وبرامج الرياضات الروحية، واجتماعات الأخويات...
ملاحظة:عبارة السبيل هي مرادف لعبارة الطريق، وترد أيضًا مرارًا وتكرارًا في العهدين، لاسيَّما في المزامير.
العهد الجديد
في العهد الجديدهنالك كلام كثير عن الطريق. والعبارات الأساسيَّة هو أنَّ السيد المسيح يعلن أنه "هو الطريق، والحق، والحياة" وليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاَّ بي (يوحنا 14: 6)
يسوع يدعونا إلى الدخول إلى الملكوت من الباب الضيق، لأنَّه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدِّي إلى الهلاك (متى 7: 13) وبالمقابل "ما أضيقَ الباب وأكربَ الطريق الذي يؤدِّي إلى الحياة" (متى 7: 14). وفي مثل الزارع يَذْكُر السيِّد المسيح فئةً بين الفئات التي تسمع كلامه وتعاليمه فيقول: "وفيما الزارع يزرع سقط بعض على الطريق، فجاءت الطيور وأكلته" (متى 13: 4). ويشرح معنى الطريق: كلُّ من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم، يأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه. وهذا هو المزروع على الطريق. (متى 13: 19، ومرقس 4: 4-15).
وفي خطابه الوداعي لتلاميذه قبل الآلام، يدعو يسوع تلاميذه أن يكونوا  متَّحدين معه ومع الآب. ويدلُّهم على الطريق. ويُجري هذا الحوار الجميل معهم: "تَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيق. قَالَ لَهُ تُومَا: يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي." (يوحنا 14: 4-6)
هناك ذكر كثير للطريق في الإنجيل المقدس، ويتركِّز الكلام عن الطريق في الإنجيل على الأمور التالية:
1. الإشارة مرارًا إلى نبوءة أشعيا، وإلى يوحنا المعمدان، الذي حقِّق نبوءة أشعيا وردَّد آياته في وعظه للشعب. (متى 3: 3، 11: 10، مرقس 1: 2-3)
2. مثل الزارع، وما معنى الزَّرع الذي سقط على الطريق.
3. دعوة يسوع إلى السلوك في الطريق الضِّيق، الذي يؤدِّي إلى الحياة. وتجنُّبُ الطريق الرَّحب المؤدِّي إلى الهلاك. (متى 7: 13-14)
4. التأكيد على أن يسوع "يعلِّم طريق الله بالحق" (متى 22: 14، مرقس 12: 14، لوقا 20: 21)
5. خطاب يسوع مع تلاميذه عن الطريق إلى الآب، والتأكيد على أنه هو هذا الطريق. (يوحنا 16)
6. مرافقة يسوع تلاميذه على الطريق،وتعاليمُه لهم، وهو سائر معهم على الطريق (وليس فقط بعد القيامة على طريق عماوص مع لوقا وكلاوبا)
7. دعوة يسوع الرسل أن لا يحملوا زادًا على الطريق،وكأنه يقول لهم أنا معكم، فلا حاجة إلى أمر آخر. وكما قال لبولس "تكفيكَ نعمتي" (متى 10: 10، مرقس 6: 8، لوقا 9: 3، 10: 4)
8. يسوع على طريق الناس، عندما يمرُّ بهم، يحاورهم، ويستمع إلى طلباتهم، يُجرِي لهم العجائب، يعظهم، يسألهم، يتحاور معهم...
أعمال الرسل
في أعمال الرسل،وفي الرسائل يتَّخذ الطريق معنى أدبيًا وروحيًّا وإنجيليًّا، فيصبح معناه: المسلك، السلوك، الخلقيَّة الإنجيلية، طريقة وأسلوب الحياة حسب تعاليم الإنجيل، لابل يُجمُل  تعاليم السيد المسيح.
هكذا نقرأ في أعمال الرسل أن شاول "تقدَّم إلى رئيس الكهنة، وطلب منه رسائل إلى دمشق، إلى الجماعات (اليهودية) حتى إذا وجد أناسًا منالطريق، رجالاً، ونساءً، يوقفهم موثَقين إلى أورشليم" (أعمال 9: 2). "الرسل ينادون بطريق الخلاص" (أعمال 16: 17) ويُقال عن أبلُّوس أنَّه كان خبيرًا في طريق الربّ. (أعمال 18: 25). ونرى "أكيلا وبريسكلا يأخذان أبلُّوس إليهما (يعني إلى بيتهما) ويشرحان له طريق الرب، بأكثر تدقيق" (أعمال 18: 26). وفي أفسس أناسٌ عندما سمعوا كلام بولس قاوموه "شاتمين الطريق أمام الجمهور" (أعمال 19: 9) وحدث شغبٌ بين الناس بسبب هذا الطريق (أعمال 19: 23).
ويعترف بولس كيف كان قبل هدايته قائلاً: "وَاضْطَهَدْتُ هذَا الطَّرِيقَ حَتَّى الْمَوْتِ" (اعمال 22: 4). ويقول لاحقًا في مرافعته أمام الوالي فيلكس:  "وَلكِنَّنِي أُقِرُّ لَكَ بِهذَا: أَنَّنِي حَسَبَ الطَّرِيقِ الَّذِي يَقُولُونَ لَهُ «شِيعَةٌ»، هكَذَا أَعْبُدُ إِلهَ آبَائِي، مُؤْمِنًا بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ." (أعمال 24: 14). ولاحقًا يقول سفر أعمال الرسل أن الوالي فيلكس " يَعْلَمُ بِأَكْثَرَ تَحْقِيقٍ أُمُورَ هذَا الطَّرِيقِ" (أعمال 24: 22)
رسائل بولس
بولس الذي روى خُبرته مع يسوع في الطريق إلى دمشق وعلى أبوابها، في أعمال الرسل، ها هو يدلُّ في رسائله على الطريق الأفضل. ويقول: ولكن توقوا إلى المواهب الحسنى وأنا أريكم طريقًا أفضل (1كو 12: 31) وهو طريق المحبَّة.
رسائل القديس بولس كلُّها، ورسائل الرسل، هي شرح لهذا الطريق، لأجل الإقتداء بالمسيح، والسير على طريق المسيح الذي هو الطريق. ومن يسير عليها لا يَضلُّ بل يكون له نور الحياة "أنا نور العالم. من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة" (يوحنا 8: 12)
التدبير الخلاصي
من خلال جولتنا في معنى لفظة طريق في العهدين القديم والجديد، إكتشفنا معاني مختلفة مترابطة متكاملة لهذه العبارة. فالطريق تعني تدبيرَ الله على الإنسان. والتدبيرَ الخلاصي لأجل الإنسان. (ECONOMIA). والطريق هو شريعة الله. وهي تعاليم الإنجيل المقدس. وهي تعاليم الكنيسة المستمدَّة من الكتاب المقدس. والطريق هي عهد الله مع الإنسان، ولأجل خلاص الإنسان. وهناك الطريق المادي، والطريق الروحي، في حياة وتعاليم تريزا الطفل يسوع. ونتكلَّم عن طريق التواضع، وبالطبع الطريق الضيق حسب تعبير السيد المسيح.
وهذا كلُّه يعني أنَّنا في مسيرة روحيَّة دائمة طيلة حياتنا. كما قلنا: آخر مشوار، آخر مسيرة، آخر طريق، وآخر سبيل هو سبيل الموت إلى الحياة.
في صلاة الجنازة نرنِّم المزمور: "طوبى للأزكياء في الطريق" (مزمور 118) ونخاطب الميت قائلين: "مغبوطٌ السبيل الذي تسير فيه اليوم. فقد أعدَّ لك مكان الراحة" (صلاة الجناز). الله على طريقنا في أول مشوار "من البدءِ عرفتكَ أنتَ كريمٌ لدي" (أشعيا). وهو على الطريق في آخر مشوار من الحياة الوقتية إلى الحياة الخالدة، من أرض الفناء إلى أرض البقاء، من الأرض إلى السماء.
تأملات في الطريق
إنطلاقًا من هذا المشوار، من هذه المسيرة الروحية، عِبْرَ أسفار العهد القديم، والجديد، أحبُّ أن أسوق بعض التأملات الروحيَّة. لابل إن الكتاب المقدس بأسره، وبعهديه، هو مسيرة!
الوحي هو مسيرة الله مع شعبه، مع البشرية بأسرها. كما يقول بولس الرسول: "إن الله، بعدما كلَّم الآباء قديما بالأنبياء مرَّاتٍ كثيرة بوجوهٍ كثيرة، كلَّمنا في آخر الأيام هذه بابنٍ جعله وارثا لكلِّ شيء وبه أنشأ العالمين." (عبرانيين 1: 1-2)
الفصح هو طريق وعبور
الفصح هو عبور، هو طريق الحياة. الفصح، العيد الأساسيَّ في اليهوديَّة وفي المسيحيَّة، هو الطريق! هو ذكرى طريق الشعوب إلى الحرية، إلى الحياة! يقول بولس الرسول: "ليس لنا ههنا مدينة باقية، بل ننتظر المدينة التي الله بانيها" (عبرانين 13: 14)
يسوع سار على طرقات فلسطين مع تلاميذه، مع الشعوب الفقيرة التي كانت تأتي إليه، وتتبعه... ويسير مع إنسان اليوم. الإلهُ بعينه الذي سار على طريق شعب العهد القديم، هو عيُنه المسيحُ الطريق، والذي سار مع لوقا وكلاوبا على طريق عمواص، هو نفسه يسير معنا اليوم. يسوع نفسه الذي ظهر لشاول (بولس) على طريق دمشق،  هو نفسه يسير معنا اليوم. وكما غيَّر شاول إلى بولس، هو يسير معنا على درب القيامة، درب الحياة الجديدة.
يا أخي! ذاك الذي سار على طريق عمواص، يسير معك اليوم! ألم تشعرْ بذلك؟ وكما حمل شعبَه، (كما رأينا في نبوءة أشعيا) هو يحملكَ اليوم! ألم تشعرْ بذلك؟ ألم تختبرْ ذلك؟ راجعْ حياتكَ... فتكتشف عناية الله، وأنه كان دومًا على الطريق معك. راجعْ حياتكَ، فتختبرَ بنفسك من مراحل حياتك أن يسوع معك، هو حقًّا الطريق والحق والحياة.
المسيح على طريق دمشق،ليلاقي شاول المضطهد، لكي يغيِّر مسرى طريقه وفكره، ورؤيته، وحياته... والتقى شاولُ المسيحَ القائم من بين الأموات، على طريق دمشق، تمامًا كما التقى به التلميذان لوقا وكلاوبا على الطريق في فلسطين. طريق فلسطين هي طريق دمشق، وطريق دمشق هي طريق فلسطين، وطريق القدس.
يسوع يدعونا لنسير معه على كل الطرقات، وليس فقط على طريق عمواص، أو القدس، أو فلسطين، أو دمشق.
الحياة المسيحية مشوار، مسيرة على الطريق! الكتاب المقدس يُطوِّب الإنسان الذي لا يسير على طريق الخطأة بل على طريق القديسين، والبر، والقداسة.
والله يسير، ويريد ان يسير على طرق جميع الناس، كلِّ الناس،  وكلِّ إنسان. لأنَّه هو المنير لكلِّ إنسان أتٍ إلى العالم. حتى الذين ليسوا على طريق يسوع، ولا يعرفون يسوع، ولا يعرفون أنه الطريق، فهو يذهب إليهم ليسير على دروبهم. وليكون على طريقهم. كما نقرأ في أبيات مدائح أمنا العذراء (البيت 22) "يسوع موفي ديون البشر، قدم بنفسه إلى الذين ابتعدوا عن نعمته، ومزَّق الصك المكتوب عليهم".
الخلاص على الطريق
 من خلال طرق، ودروب حياتنا، الله على الطريق! يسوع يُرسل رسله على الطريق، على طرقاتِ الناس، ليلاقوا الناس. الرسول فيليبس في جنوب فلسطين، يقول له الروح: "لازمْ هذه المركبة، (مركبة خصيِّ ملكة الحبشة). وفيليبس يُلبِّي النداء ويوقف المركبة، وكأنه يريد أن يصل إلى مكان ما، وحالاً يبدأ يُبشِّرُ وكيلَ كنداكة ملكة الحبشة، ويَهديه إلى يسوع، ويُعمِّده في عينٍ لاتزال إلى اليوم تحمل اسم عين فيليبس. وبعد المعموديَّة غاب فيليبس عن الوكيل بعد ان أتمَّ رسالته نحوه.
الملاك يرافق يوسفعلى الطريق في هربه إلى مصر! ويدَلُّه على الطريق الأكثر أمانًا في ذهابه إلى مصر، وفي عودته منها.
كذلك رافق الملاك عزريا بصورة إنسان، هو الأعمى طوبيا، ومعه كلب! الجميل ذكر الكلب... ليُشير إلى أن الخلائق ترافق عمل الله وعنايته. وهكذا يصبح الملاك بصورة إنسان لكي يتمثَّل الإنسانُ بالملاك، ويكون ملاكًا ورفيقًا لأخيه الإنسان. وليس مثل قايين الذي قتل أخاه هابيل، وعندما سأله الله: أين أخوك، أجاب بوقاحة: "أأنا حارس لأخي؟" (تكوين 9:4)
عناية الله
الطريق في حياة كلٍّ منَّا مغامرة شاقَّة، وكبيرة، ودائمة، وخطيرة! إذْ من الصَّعب أن نتعرَّف على حقيقة قصد الله علينا في طريق ومسيرة حياتنا. أجل يَصعب علينا أن نتعرَّف على طرق الله المتعرِّجة، الضيقة، المبهجة، غيرَ الواضحةِ المعالم. ولذلك يقول لنا يسوع بحكمة فائقة "سيروا في النور ما دام لكم النور! لأن الذي يمشي في الظلام لا يدري إلى أين يتوجه" (يوحنا 12: 35- 36)
وهذا يعني أن نسير تحت رعاية عناية الله، كلَّ يومٍ بيومه. ونشكرُ الله أنَّنا لا نعرف كلَّ تعاريج حياتنا على هذه الأرض! ولو عرفناها كلَّها دفعةً واحدة، في حُلْوِها، ومرِّها، ومصائبها، وأمراضها، ومفاجأتها... لكنا أُصِبْنَا بالجنون والإحباط، والحَيرة، واليأس... ولذلك يقول صاحب المزمور: عرِّفني يارب الطريق التي أسلكُ فيها (مزمور 142: 8)
ويقول الله في أشعيا: "ليستْ طرقكم طرقي يقول الرب" (أشعيا 55: 8)، "ولكنَّ طريق الرحمةَ بالرغم من صعوباتها وتعرجاتها، هي طرُق الله المحب البشر، لأن العدل يسلك أمامه، ويمهد الطريق لخطواته" (مز84) "لأن سبيل الرب رحمة وحق" (مز 25: 10، 136)
طريق مع الله! طريق سعيد!
إنَّه طريق شاق! لكنه طريق سعيد لأنه مع الله. وهذا ما يقوله القديس أغوسطينوس: "غنِّ وامشِ!" وعندما  نحيد عن طريق الله، فإننا سنقع في المصائب، كما ورد مرارًا في أسفار العهد القديم. كما في التسبحة الكتابية الثانية (تثنية الإشتراع 32)، فيشرح موسى بأيَّة عناية رافق الله شعبه في طريق الصحراء: "عاَله في البريَّة، في عطشٍ من القيظ، في أرضٍ لا ماء فيها. إكتنفه وربَّاه، كنسرٍ يحمي عشَّه، ويَحنُّ إلى فراخه، يبسط جناحيه فيأخذها ويحملها على مَنكبيه. الربُّ وحده اقتادهم. ولم يكنْ معهم إلهٌ غريب. أركبَهم على مَتْنِ الأرض، أطعمَهم غلالَ الحقول. رَضِعوا عسلاً من جُلمود، وزيتًا من صخرة صمَّاء وزُبدةَ البقر، ولبنَ الغنم، مع شحم الخراف والكباش. صغارَ الثيران والتيوس مع دسم لبِّ الحنطة، ودم العنب شربوه خمرًا"
طريق الشر: طريق الهلاك
لكن ماذا كان موقف الشعب الذي اقتاده الله وسار معه، على طريق التحرُّر من العبوديَّة؟ نقرأ في التسبحة نفسها: "وأكل يعقوب وشبع وسَمُن وغلُظ وعرُض وهجر الإله، وابتعد عن الله مخلِّصه. وأغاروني بآلهة غريبة، وبأرجاسهم أغاظوني. ذبحوا للشياطين لا لله، لآلهة لم يعرفوها، آلهة حديثة لم يعرفواها. هجرتَ الإله الذي ولدَكَ. ونسيت الإله الذي يعولك. فرأى الربُّ واغتاظ، لما أغضبه بنوه وبناته". (تثنية 32) وتتابع التسبحة مشيرة إلى مآسي الشعب لأنه حاد عن طريق الله خالقه. (باقي التسبحة)
ونقرأ في سفر يهوديت:"فلما حادوا قبل هذه السنين عن الطريق التي أمرهم الله أن يسلكوها إنكسروا في الحروب أمام شعوب كثيرة" (5: 22) لا طريقَ للخلاص بدون الله يسير على درب الناس. وبدون الله تصبح دروب الناس هلاكًا.
طريق القدس: طريق القيامة
يسوع سار على درب الناس في حياته على هذه الأرض. وبعد القيامة سار أيضًا على دروب رسله وتلاميذه على طريق عمواص، وفي الجليل، وعلى ضفاف بحيرة طبريا، وعلى طرقات القدس... كما ظهر لشاول على طريق دمشق.
كلُّنا بحاجة إلى طريق القدس، وأن نلتقي المسيح على طريق القدس، وكذلك على طريق دمشق! فطريق دمشق، وطريق القدس هما طريق القيامة. وكلنا نحتاج إلى هذا اللقاء مع المسيح القائم من بين الأموات، سواء على طريق القدس، أو على طريق دمشق، وعلى كل طرقات ودروب حياتنا.
اليوم وأمام مآسي شعوب بلادنا المشرقية، لاسيَّما في سورية والعراق، نحن كلُّنا نسير على درب الجلجلة. درب الصليب... ولكن كما أن درب الصليب إنتهى بالجلجلة، والقيامة، هكذا نصلِّي لكي نصل من خلال درب الصليب في سورية خاصة إلى أفراح القيامة.
وبهذا المعنى قال قداسةالبابا فرنسيس أثناء زيارته، وحجه إلى الأردن (24 آيار 2014):"هناك مفتاحان للسلام في المنطقة وفي العالم: حلٌّ توافقيٌّ شاملٌ للأزمة في سورية. والعدالةُ للفلسطينيين". وهكذا ربط قداسته طريق القدس بطريق دمشق...فأصبحت اليوم طريق دمشق هي الطريق لسلام العالم، السلام لبلادنا وللعالم أجمع!
تُعتبر القدسُ في التقليد الشرقيِّ أمَّ الكنائس، لأنَّها مدينة القيامة. ولاتزال القدس منطلق مسيرة القيامة والسلام في العالم أجمع. من القدس انطلقت بشرى القيامة إلى الشرق، وإلى دمشق وانطاكيَّة. ومن دمشق بالذات انطلقت المسيحيَّة وبشرى القيامة إلى العالم.
طريق دمشق: طريق السلام
واليوم نشعر أن طريق القيامة يمرُّ بدمشق وسوريَّة، ومنها إلى الشرق، وإلى العالم بأسره. بأسفٍ وبعد خمس سنواتٍ من العنفِ، والحربِ، والدَّمارِ، والدِّماءِ، يكتشف العالم طريق دمشق، وطريق القدس، وطريق فلسطين. طرقاتٌ مترابطة! إنَّها طرقاتٌ أكثرُ أهميَّة من طريق الحرير، وطريق البترول، وطريق الغاز، وطريق المصالح. إنَّها طريقُ الإيمان، والقيم الإيمانيٍّة، والحضارة، والتراث. طريقُ شاول! طريقُ بولس ابن دمشق الروحيِّ! وطريقُ القيامة!
إنَّنا أيادٍ ضارعة لكي يكتشف العالم هذه الحقيقة، الروحيَّة الإيمانيَّة، وليس السياسيَّة، أنَّ طريق السلام هي طريق دمشق! وأنَّ طريق القيامة للشعب السوريِّ، ولشعوب المنطقة هو دمشق! وطريق القيامة للعالم بأسره هو طريق دمشق! طريق بولس! طريق القيامة! طريق الحياة! طريق المحبَّة! طريق السلام!
  دول العالم كلُّها على الطريق معًا!
معًا على الطريق!هذا هو واقع حياتنا كبشرٍ على هذه الارض. كلُّنا على دروب الحياة سائرون معًا! والعبرة أن نسير مع الله، ومع إخوتنا البشر ، ولأجل إخوتنا البشر، لكي تكون لهم الحياة، وتكون لهم أفضل. هذا ما قاله القديس البابا يوحنا بولس الثاني: "إن جوهر الإنسان أن يكون مع ولأجل" (رسالة السلام 2005). ما أجمل أن نسير معًا: الله معنا، ونحن مع الله، ونحن مع إخوتنا البشر.
كم نحتاج إلى هذا السير معًا، لأجل بناء عالم أفضل، يسود فيه العدل، والمحبَّة، والسلام، والاحترام المتبادل، والتضامن، والتعاضد، والتآخي، والتواصل، والخدمة، والكرَّم، والسخاء، والعطاء... لكي نبني معًا عالم المحبَّة، وحضارةَ المحبَّة.
السيِّد المسيح أرسل تلاميذه إلى الطريق! إلى طريق الناس. والبابا فرنسيس دعا الجميع، لاسيَّما المرسلين، والكهنة، والرُّعاة، لكي يذهبوا إلى الأطراف، إلى النَّاس، لاسيَّما الفقراء، والمرضى، والمنبوذين، والمهشمين، والمهمَّشين، واللَّاجئين، والنَّازحين، والمخطوفين والمعوَّقين... يسوع يطلب منَّا أن نذهب إلى كلِّ هؤلاء، ونسير على دروبهم، وطرقهم... يسوع يريد منا أن نكون كهنة ورسلاً على الطريق!
آثار القدَمين
 في هذه الرسالة عن طريق القيامة، وطريق الرَّسولين لوقا وكلاوبا، وطريق القدس، وطريق دمشق، ودروب الناس في هذه الحياة، حَضَرتني قصَّة بعنوان: آثار القدَمين.
       وهو أنَّه كان إنسانٌ يتأمَّل في مسيرة حياته على هذه الأرض. وغَفِيَ ونامَ وحَلُمَ في نومه هذا الحلم. فرأى نفسه على شاطئ البحر يسير على الرِّمال ويسوع يسير معه. وفيما هو يسير ذهاباً وإياباً لاحظ أنَّ هناك على الشاطئ آثارًا لأربعِ أقدامٍ، ومرَّاتٍ لقدَمين فقط. وتذكَّر ظروف حياته، ومنها الأشدُّ صعوبة وألماً ومشقَّة. وفي هذه الظروف رأى مظهر قدمَين فقط. فذهب يعاتب يسوع قائلاً له: أشكركَ يسوع أنَّكَ كنتَ تسير معي، ورأيتُ آثار قدَميك إلى جانب آثار قدميَّ. ولكنِّي في أوقات المحنة والشدَّة، لم أرَ إلَّا آثار قدمين فقط. وأنا كنتُ بأشدِّ الحاجة إلى رفقتكَ ومسيرتكَ معي لتسندَ ضعفي! أينَ كُنتَ؟ وسمع في منامه صوتًا ناعمًا يقول له: القدمان ليستا قدميك، بل قدميَّ! ففي وقت الشدَّة والضِّيق أنا كنتُ أحملكَ وأسيرُ على الطريق!
هذا ما نراه في رسم شعار سنة يوبيل الرحمة، حيث يسوع وهو السامري الصالح يحمل الإنسان المتألِّم الجريح المهشَّم يحمله على منكبيه ويسير به على دروب الحياة الصعبة. وقد شرحتُ هذا الشعار في رسالة الصوم.هو أنَّ الوجهين متقاربان، يشدُّهما شعورٌ قويّ بالحنان، والرَّحمة، والمحبَّة. ويُلاحَظ أنَّ هناك ثلاث عيون، لا أربع: عين يسوع وعين الإنسان، ثم عين مشتركة واحدة تجمع بين يسوع الإله الإنسان، وآدم أي كلَّ إنسان... فيسوع ينظر بعين آدم ابن الانسان وآدم الإنسان ينظر بعين يسوع.
الأنشودة التالية،هذه الأنشودة الشعبيَّة تعبِّر عن هذه القصة الطريفة.
ربي أنتَ طريقي في معاثرِ الحياة! ربي أنتَ طريقي عند ساعة الممات!
أنتَ وحدكَ دعوت! أنتَ وحدك رجوت! أنتَ غايةُ المنى، أنتَ مصدر الهنا!
- أعضدِ الموجعينَ! ساعدِ اليائسين! أشبعِ الجائعينَ! أرجع الخاطئين!
- أنتَ نارٌ لقلبي! أنتَ أيضًا نسيم! أنتَ هديٌ لدربي! أنتَ فجريَ الوسيم!
- أنتَ حبٌّ في قلبي! أنتَ نارٌ ونور! أنتَ هدي لدربي، نبعُ كلِّ سرور!
- أنتَ قوتُ السماء! أنتَ خبز الحياة! ربِّ أنتَ رجائي قوتٌ للممات!
- ربِّ إغفر ذنوبي! أنتَ ربٌّ رحيم! استر دومُا عيوبي وارحم عبدًا اثيم!
- أنتَ مُسْكِرُ نفسي من خيور السماء! أنتَ مالئُ كأسي من خمور الرجاء!
المسيح القائم من بين الأموات يغيِّر طريقنا
يسوع يسير مع لوقا وكلاوبا، ويغيَّر خوفهما، وبؤسهما، وإحباطهما، إلى قوَّة، إلى أمل، إلى رجاء. فعادا ليلاً إلى القدس للتبشير بالقيامة لباقي الرسل الخائفين المحتجبين. وثَّبتا بدورهما إيمان الرسل بالقيامة، والحياة. وانطلق الطريق الجديد، وأسلوب الحياة الجديد! وخرج الرسل من العليَّة حيث كانوا مختبئين، وبشَّروا بالقيامة، والحياة الجديدة في المسيح يسوع.
الأمرُ نفسه جرى على طريق دمشق، حيث كان شاول يمتطي حصانه بعجرفة، تملأ قلبه عاصفةٌ من البغض، والكراهية، والعنف، والإرهاب، والقتل، والتشريد... حيث أراد أن يَقبِضَ على المسيحيين الجدد في دمشق. وكانت وصلتْ إليها المسيحيَّة بعد الفصح والعنصرة بأسابيع قليلة (عام 33 للميلاد)، حيث كان جمهور من اليهود قد اعتنق المسيحية بعد سماعهم مواعظ بطرس الرسول عن المسيح القائم، يوم عيد العنصرة. وحملوا الطريق الجديد، والإيمان بالمسيح إلى دمشق.
هذا ما نقرأه في سفر أعمال الرسل، "أمَّا شاول فكان لم يزل ينفثُ على تلاميذ الرب، تهديدًا وقتلاً" (9: 1) هذا التحول الذي جرى على طريق دمشق عندما التقى يسوع بشاول على الطريق، هو الذي أنقذ المسيحية من الزوال. وبالعكس، فإنَّ لقاء المسيح لشاول على طريق دمشق أطلق المسيحية إلى العالم، من خلال هذا الرسول العظيم بولس، ابن دمشق الروحي، وقد تحوَّل فيها من مضطهد إلى رسول وأكثر من ذلك إلى رسول الأمم ابتداءً من دمشق. ومكث ثلاث سنوات في حوران في بلدة مسمية، مما جعله يكتشف الطريق الجديد، بشرى الإنجيل.
جمال الإنجيل... قوة الإنجيل...
هذه هي القيامة الحقيقية: المسيح قام! والرسل قاموا! بولس قام! ومسيحيُّوا دمشق أصبحوا أبناء القيامة، وهو حسب التقليد اللَّقب الذي أطلق على مسيحيي المشرق عمومًا.
حقًا إن المسيحيَّة الشرقيَّة هي ثمرة لقاء المسيح القائم على الطريق، طريق عمَّاوص، طريق القدس، طريق دمشق، طريق انطاكيا، ومنها إلى طريق آسيا، واليونان، ومكدونية وأخيرًا إلى طريق روما، والغرب بأسره.
هذه ثمرة لقاء المسيح بالرسل على الطريق! جعلهم حامِلي بشرى الطريق الجديد، الذي هو الحياة في المسيح... وهكذا تمكَّن بولس أن يقول بكلِّ فخار: "أنا حيٌّ! لا بل المسيح حيٌّ فيَّ! وما أحياه بالجسد أحياه بابن الله الوحيد بالمسيح الذي أحبَّني، وبذل نفسه عنِّي" (غلاطية 2: 20). لابل عن البشريَّة بأسرها، لكي تكون لهم القيامة، والحياة، وتكون لهم بوفرة.
المسيح يسير على دربكَ، معكَ، إلى جانبكَ، ألا اكتشفتَه؟ ألا شعرتَ بقربه؟ إنَّه قام لأجلِكَ، ويريد أن يشركَكَ بقيامته، ويصبحَ طريقُكَ طريقَ حياةٍ، وأملٍ ورجاء، وفرحٍ، وتفاؤلٍ، وشجاعةٍ، وإقدام.
أُخرجوا يا مؤمنون إلى استقبال القيامة! هكذا تدعونا صلواتنا الطقسية، هذا هو أملنا لبلادنا المشرقية المتألِّمة السائرة على درب صليبٍ مؤلمٍ دامٍ. لاسيَّما في العراق، في سوريَّة، في فلسطين، في لبنان، ومصر، وليبيا، واليمن، إلى هذه البلاد جميعًا نزُفُّ فرح القيامة!
المسيح ولد في فلسطين! والمسيحية ولدت في سوريَّة، في بلادنا المشرقيَّة. ولدت المسيحية على الطريق، على الصليب، وانتشرت بالقيامة! إنَّها بشرى القيامة لكلِّ الناس! القيامة كانت الكلمةَ الفصلَ في انتشار المسيحيَّة كما يقول بولس الرسول: "وإنْ كانَ المسيح لم يقمْ، فتبشيرُنا باطلٌ، وإيمانكم أيضا باطل. بل نكون عندئذ شهودَ زورٍ على الله، لأنَّنا شهدنا على الله أنَّه قد أقام المسيح وهو لم يُقِمْهُ، هذا إن صح أنَّ الأموات لا يقومون. فإذا كان الأموات لا يقومون، فالمسيح لم يقمْ أيضًا.وإذا لم يكن المسيح قد قام، فإيمانكم باطل ولا تزالون بعدُ في خطاياكم" (1كو 15: 14- 17)
هكذا أصبح بولس الرسول الذي التقى المسيح القائم على طريق دمشق، أصبح رسول القيامة بامتياز. ركَّز بشارته كلها على القيامة، إنطلاقًا من رؤياه المسيح على طريق دمشق.
هكذا اصبح بولس رسول الأمم ورسول القيامة...
عمانوئيل: يسوع على الطريق
عمانوئيل أحد أسماء يسوع، كما أشار الملاك إلى ذلك قائلاً: ويُدعى اسمه عمانوئل "الله معنا"، وهذا يعني أن اسم يسوع بالذات يعني يسوع على الطريق! والكنيسةعلى مثال يسوع هي دومًا على الطريق، والبشر معًا في مسيرة واحدة معًا على الطريق، القيامة طريقنا على مدار السنة.
تذكارات القديسين اليوميَّة هي خريطة طريق القداسة. السنة الطقسية: خريطة طريق! الصلاة الطقسية اليومية هي طريق روحي! صلاة المؤمن اليومية طريق مع يسوع! النعمة الحالية: هي طريقنا اليومي. ويقول بولس: النعمة أعطيت لكلٍّ منَّا على قدر موهبة المسيح! كلٌّ في دعوته! له الطريق يدلُّه الله عليها: روحكَ الصالح يهديني في أرضٍ وطريقٍ مستقيم. ما أعجبَ طرقك في البحار.
طريق ابراهيم، طريق عماوس، طريق دمشق، طريق الدعوة، الطريق والحق والحياة، طرقي غير طرقكم، طوبى للأزكياء في الطريق، طرقكَ عجيبة، عرِّفني الطريق التي أسلك فيها في طريق وصاياك. مغبوط السبيل! (الطريق) الضيق...
ليكن يسوع معكَ، وعلى طريقكَ! خاطبْه بالتوِّيتِر، وفايَبر، وفيسْ بوك! كلُّ الطرق معه على الطريق! أدعوكم ألاَّ تكتفوا بالأصدقاء، والحبايب في الفيس بوك، بل ليكن يسوع دائمًا معكم. اعملوا مشاركة(share)  مع يسوع! واعملو له ليك (like)!
حبة الحنطة الواقعة على الطريق
يسوع هو الزارع وهو حبَّةُ الحنطة! هذا ما ننشدهُ في الاحتفال بالجنَّاز السيِّدي يوم الجمعة العظيمة. "حبَّة الحنطة المحييةُ ذاتُ الطَّبيعتين! زُرِعَتْ طيَّ الثَّرى اليومَ بالدموع! وستبهجُ الورى حين تنموا"
وهذا ما ننشده في الأنشودة الشعبيَّة
انشالله القمحة اللي انزرعتْ بقلوبنا. تموت وتنمى وتزهّر محبّة
انشالله الناس لْمنشوفُن عَ دروبنا. بيتلاقوا بوجّك فينا يا ربّي.
وحدَك إنت بعتمالدرب سراجنا. وانت الكنز الما منتخلّى عنّو
بالطرقات الخطراتبقى سياجنا. وصِّلنا لنبعك وسْقينا منّو.
معايدة!
بهذه الآمال والآفاق، آفاق وآمال القيامة، أنهي هذه الرسالة، وأقدِّم التهاني لكلِّ من يقرأها. وبخاصَّة لأخوتي السادة الأساقفة الموقَّرين، ولإخوتي، وأبنائي، وبناتي من الكهنة، والرهبان، والراهبات، وجميع أبناء وبنات كنيسة الرُّوم الملكيِّين الكاثوليك في مشرقنا العربيِّ، مهد المسيحيَّة، أرض القيامة، وفي العالم أجمع، وإلى جميع المواطنين!
ولنبقَ نحافظ على لقب الآباء والأجداد، فنكون حقًا أبناء القيامة، وأبناء الحياة، وأبناء النهار، وأبناء النور.
ونرفع الدُّعاء إلى المخلِّص القائم من بين الأموات، هو إله السلام، أن يدخل إلى كلِّ بيت، وإلى كلِّ مدينة، وإلى كلِّ قلبٍ متألِّم، وإلى كلِّ جبهة قتال، وإلى كلِّ معقل وخندق قتال، ونفق إرهابي، ويقول للجميع كما قال لتلاميذه بعد القيامة: السلام لكم! أنا هو الطريق إلى السلام! أنا الطريق إلى الحق! أنا الطريق إلى الحياة! لا تخافوا أنا معكم إلى انقضاء الدهر!
وكل عام وأنتم بخير!
المسيح قام! حقًا قام!
مع محبَّتي وبَرَكَتي
+ غريغوريوس الثَّالث
 
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيِّين الكاثوليك